كان ولا يزال لشهر رمضان طعم خاص عند المسلمين في أرجاء المعمورة .. بما يحمله من ذكريات جميلة في ذاكراتهم ، ولكن يظل لرمضان في مكة الخير.. “طعم غير ” ونكهة مختلفة ..تحمل في طياتها عبق البيت العتيق وعظمته ..وطعم زمزم وبركته ..ورائحة الزوار والمعتمرين وهم يتوشحون بياض الاحرامات..ملبين .. طائفين..راكعين ..ساجدين ..معتكفين.. ولكتاب الله تالين، نعم ..لرمضان في مكة المكرمة طعم خاص ونكهة مختلفة ، خاصة مع دخول العشر الأواخر من الشهر .. حيث روحانية التراويح والقيام وتهجد المتهجدين وإفطار الصائمين .. ولحظات “فك الريق” التي عادة ما تبدأ بحسوات من ماء زمزم إلى جانب حبات التمر أو الرطب. . وزمزم هو العنصر الرئيس للإفطار عند المكيين على مدى العصور والأزمان. . فقد ارتبط هذا الماء المبارك ماء زمزم ارتباطا وثيقا مع الإنسان المكي خاصة في رمضان كونه طعام طعم. . فلا تكاد تجد بيت في مكة المكرمة أو سفرة لغني أو فقير إلا وماء زمزم عليها أولا قبل كل شيء. . فقد كان الجميع حريصا على وجود هذا الماء المبارك في إفطارهم. . منذ كان الحصول عليه من البئر مباشرة عبر الدلاء جمع دلو. . وفي الدوارق والشراب الفخارية التي كانت منثورة على حصوات الحرم. . وفي خلاوي الزمازمة أسفل البدروم. . وحتى مشروع تعبئة زمزم في الهجلة والغزة وفي كدي وحي زمزم النورية. . وصولا إلى المشروع العملاق لسقيا زمزم الذي اطلقه الملك عبد الله بن عبد العزيز – -رحمه الله- – مشروع خادم الحرمين الشريفين لسقيا زمزم وهذه العبوات التي غدت تصل الى كل مكان بيسر وسهولة، لقد ادركنا في زمن الطفولة مشاهد جمليه وصورا رائعة في كافة احياء مكة وهي ترفل بكميات زمزم عبر براميل موزعة في كل مكان. . عند كل مسجد وفي كل زقاق. . تسيرا لمن لا يستطيع جلب زمزم من الحرم ليجده قريبا من بيته تبرعا من أهل الخير، والخير في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى ان تقوم الساعة. . لقد كان ولا يزال لزمزم عند المكين اهتمام خاص لا سيما في رمضان. . حيث يشرب ماء زمزم في أواني مبخرة بالمستكة مضافا إليه شيء من ماء الورد او الكادي مما يضفي عليه رونق وطعم خاص. . ارتبط بطعم زمزم ونكهة زمزم. . والسفرة الرمضانية المكية المتنوعة بما لذا وطاب،لقد أولت العناية الإلهية ماء زمزم منذ ظهر على وجه الأرض عندما أمر الله -سبحانه وتعالى- جبريل -عليه السلام- ان يضرب الأرض ليتفجر الماء تحت اقدام الرضيع اسماعيل. . لتزمه هاجر ام اسماعيل. . وكان جبريل -عليه السلام- يقول لها لا تخافي ان ينفذ الماء. . لا تخافي على اهل هذا الوادي ضمأ، فأنها عين يشرب منها ضيفان الله. لقد ظلت زمزم هي المصدر الوحيد لمكة الى ان طمرتها السيول واندثرت واختفت معالمها. . فعانى سكان مكة والحجاج من قلة الماء الذي أصبح يجلب من خارج الحرم. . حتى حفر قصي ابن كلاب وهو الجد الخامس للرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- بئر العجول الذي سرعان ما تعطل بسقوط رجل فيه من بني جعيل بضم الجيم في عهد ابنه عبد مناف بن قصي فتعطل استخدام البئر. . ليبدأ المكيون في معاناة جديدة مع الماء وسقيا الحجاج. . وتبدا معاناة أخرى من البحث عن مصادر أخرى للماء. . وكان قصي قد جعل السقاية في أبنه عبد مناف الذي سرت في أبناه الى ان وصلت إلى حفيده عبد المطلب ابن هاشم ابن مناف بن قصي الذي ارشده الله الى مكان زمزم برؤيا في منامه تقول له احفر زمزم. . احفر زمزم. . فإن حفرتها لن تندم فحفرها وشرب منها اهل مكة والحجاج وعافوا غيرها، وصد الناس عن شرب غير زمزم. فتفاخر بنو عبد مناف بهذا الشرف وظلت السقاية فيهم، وقد أولى الإسلام ماء زمزم بفضل كبير. . وجاء الكثير من الاحاديث الشريفة التي رويت عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- عن فضل زمزم. . منها ماء زمزم لما شرب له. . وزمزم طعام طعم وشراب سقم. . وغيرها من الأحاديث الشريفة.
اما في العصر الحديث فقد أولت حكومة المملكة العربية السعودية ماء زمزم عناية فائقة ولعل آخرها مشروع خادم الحرمين الشريفين لسقيا زمزم الذي وفر عبوات زمزم التي نشاهدها اليوم في مكة المكرمة وفي كل مكان من ارجاء مملكتنا الحبيبة بسعر رمزي. . بل تم توفيره في مطار الملك عبد العزيز للمسافرين للخارج ليصل إلى كافة أنحاء المعمورة بيسر وسهولة ولله الحمد. . فجزى الله حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين خير الجزء والقائمين على هذا المشروع العملاق الذي وفر زمزم بهذه الكميات ليصل للجميع. . وصلى الله على سيدنا محمد
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب وناقد صحفي