يومًا ما ذهبتَ بكامل إدراكك، يحدُوك الحُبّ، ويدفعك الأمل في بناء أسرة يكسوها الحنان، وتمتلئ بالرَّحمة والسُّكون، تقدَّمت لامرأة في بيت محترم، واستقبلك أهلها بكل ترحَاب.. التقت رغباتكما في الاتصال والزَّواج، في النَّسب والمصاهرة، وتسلسلت أحداث قصَّة حُب جمعتكما في نهاية المطاف تحت سقفٍ واحد، واجهتما الحياة بكل وجوهها، وعشتما فَضلًا متبادلاً، وحوارات متصلة بين شدٍّ وجذب، فرحٍ وترحٍ.. ثُمَّ..
ثم ماذا؟؟ لماذا حينما دبَّ خلاف بينكما شرع كل طرف منكما يلُوم شريكَه؟ وراح يتقمَّص دور الضَّحيَّة التي جار عليها الزَّمن، وظلمها العمر، وأساء إليها الحظّ! لقد شعر ذلك الشَّريك بأنه مجبرٌ على البقاء مع شريكه، وأضحى مضطرًا لاستمرار حياته معه بحجة أولادٍ بينهما، أو قرابةٍ تربط عوائلهما، أو نظرة سوءٍ قد تلحق بهما!
إن العيش في دور الضحيَّة يَفترض بداية أن في الحياة نماذج مثاليَّة قد حُرمتَ منها، ويفترضُ أن عقلَك مسلوب، وقدراتك مُصادَرَة، ويجعل التفكير منصبًا باتجاه سلبي يجمع عثرات الشَّريك الآخر ويصنع منها عدسة كبيرة لا يرى إلا من خلالها، فإذا به يعيش سوادًا لا يرى طريقًا للخروج منه إلا المفارقة والطلاق!! ثم يظلُّ في سواده حتى يظنّ أن المفارقة كذلك لا يستطيعها! يا الله.. ما أشدَّ ذلك الشعور حين يتمكّن من صاحبه، حين يسمح لذاته أن تكون في دور (الضَّحيَّة)!
وهنا أقف عدة وقفات موجزة لمن سلَك هذا الطريق في حياته الزوجيَّة؛ محاولاً إعادة ضبط البوصلة في سبيل اتخاذ قرار صحيح:
1. عقد الزَّواج في حقيقته (عقد شراكة) وتبادل منافع، وليس عقد تملُّك، فكل شريك قد بحث عمَّا يكمله، وتشارك معه على المحبة والتَّضحية، وتعاقدا على بذل الوسع إرضاءً لله تعالى أولاً ثم إصلاح حياتهما.
2. الدخول في هذه الشراكة كان بتمام الرضا، وكذلك الاستمرار في هذه العلاقة يكون بتمام الرضا، فليس من حق أي من الطرفين إذا تعذر استمراره في هذه العلاقة أن يظلَّ فيها مُكرهًا، فالإسلام قد أباح الطلاق للرَّجل، والخُلع للمرأة.
3. لا تعني الخلافات الأسريَّة المستمرة أننا في طريقنا للانفصال! فكل علاقة زوجيَّة مستمرة كانت تلك الخلافات تغذّيها، لكن الذي يفرق بين زواج وآخر هو طريقة التَّعامل مع تلك الخلافات.
4. لا تظني –أيتها الكريمة- أن جدَّتك أو والدتك التي تعتبرينهما قدوة قد كانتا مع أزواج مثاليين كُمَّل! فوالدك الكريم وجدّك كانا من جنس الرجال الذين ينتمي إليهم زوجك! لكن الفارق أن (جيل الطيبين) كانوا أكثر صبرًا، وأحسن عملًا.. فبيوتهم قد مُلئت صبرًا رغم قساوة الحياة وشظف العيش، وقلة الكماليات، وانعدام وسائل الترف..
5. لتعلم –أيها الزوج الكريم- أن الطَّلاق لم يُشرَّع في أصله ليكون خيارًا تفكِّر فيه عند أي منعطف في حياتكما! فهو خيار للحل عند تأزُّم الحالة، وليس حَلاً للخلافات بل هو إنهاء للعلاقة، فوازن حياتك بميزان خير البشر عليه الصلاة والسلام حين قال: “لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنة، إن كَرِهَ منهَا خُلقًا رَضِيَ منهَا آخَر”، بمعنى أنه “لا يُبغضُها بغضًا كُليًا يحمله على فراقها، بل يغفر سيئتها لحسنتها، ويتغاضَى عمَّا يكره لما يُحب.
وختامًا.. فكم من شريكٍ أظهر أسوأ ما في جُعبته، ونثر السّباب والشتائم في لحظة غضب، ثم عاد إلى رُشده محاولاً ترميم فِعلته؛ لأنه أدرك أن الفِراق أصعب من البقاء مع الخلاف، فعاش حياةً بلا روح؛ لأنَّه كسر قلب شريكه، وطعنه بسوء الفِعال والكلام، وحاول جهده أن يعود كما كان.. وأنَّى لقلب جُرح أن يلتئم! وقد صدق من قال:
احْرَصْ على حِفْظِ القُلُوْبِ مِنَ الأَذَى فَرُجُوعِهَا بَعْدَ التَنَافُرِ يَصْعُبُ
إِنَّ القُـــلـــــوبَ إِذَا تَنَـــــــافَرَ ودُّهَــــــــــــا شِبْهُ الزُجَاجَةِ كَسْرُهَا لا يُشْعَبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مؤلِّف، وباحث لغوي واجتماعي
masayed31@