اكتستْ منازلنا بالألعاب الإلكترونية ، فانشغل بها الأبناء ، أدمنوا عليها ، بل إنه شرٌ لم يسلم منه الكبار قبل الصغار! فماذا عن القراءة ؟! وأين نصيبها من أوقات أبنائنا ؟! بل أين نصيبها من أوقاتنا جميعا ؟!
كم منا من ربّى أبناءه على القراءة، وتحديد وقتٍ للقراءة والاستمتاع بالكتاب؟!
لنعلم أن القراءة كنز لا يفنى ، تملأ الأذهان ذهباً لا يصدأ ، كيف لا وأول آية نزلت في هذا الشأن قال تعالى ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ﴾ ورد في تفسير الكشاف للزمخشري حول هذه الآيات ” فدل على كمال كرمه بأنه علّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ،ونبه على فضل علم الكتابة لما فيها من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو ، وما دُونت العلوم، ولا قُيّدت الحكم، ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم ولا كتاب الله المنزل إلا بالكتابة، ولولا هي لما استقامت أمور الدين والدنيا ولو لم يكن على دقيق حكمة الله ولطيف تدبيره دليل إلا أمر القلم والخط لكفى به ”
فالكتابة والقراءة متلازمتان لا ينفك أحدهما عن الآخر، فكيف نكتب ونخط إلا بالقراءة إذ أنها أول تكليف تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم من ربه
فبالقراءة يتطور المجتمع، ويزدهر، ويزدان بها الفرد فيصبح كالزهرة الناضرة، يقول الفيلسوف الصيني لن يوتانج:” القراءة أدنى إلى التنزه في غابةٍ منه إلى السير في سوقٍ، وأنت لا تعود من الغابة بسلٍّ فيه علب من الطماطم المحفوظ ، بل تعود بوجهٍ نضَّرَهُ الخلاء، ورئتين ملأها الهواء المنعش النقي”
بالقراءة نحب الوطن فيحلو بأعيننا ، ونبني مجده ، فهي عربون الظفر يقول الشاعر :
لنا جلساء ما نملُّ حديثهم… ألِبَّاء مأمونون غيبًا ومشهدًا
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى … ورأيًا وتأديبًا ومجدًا وسؤددًا
كم تُربِّي الكتب وقراءتها الأبناء على كثيرٍ من المكارم, والأخلاق, وتبني فيه الثقة بالنفس، وتصنع العقول الجبارة، التي على أفكارها الصالحة تقوم الأوطان، يقول جونسون: ” الكتب مرشدةٌ في الصغر، وتسليةٌ في الكبر، ورفيقٌ في العزلة”
نعم إنها مرشدةٌ في الصغر، بل إنها نقشٌ لا تمحوه السنون! أما سمعنا بالمثل المشهور” التعليم في الصغر كالنقش في الحجر”؟!
وما التعليم والكتابة إلا بالقراءة، علينا أن نقرأ، ثم نقرأ، ثم نقرأ، ومما ذُكر ” أن الجاحظ وهو الأديب الكبير كان يستأجر دكاكين الورَّاقين، ويبيت فيها يقرأ ما حوت، وهذا يعني أن القراءة تعرض عليك ألوانًا من المعارف مما يجعل قلمك سيَّالًا، وفكرك نيرًا، وعقلك قوةً جبارةً لا يستهان بها”.
يقول أحمد شوقي :
أنا من بدَّل بالكُتْب الصحابا… لم أجد لي وافيًا إلا الكتابا
صحبةٌ لم أشكُ منها ريبةً… وودادٌ لم يكلِّفني عِتابا
صاحبٌ إن عِبْتَهُ أو لم تَعِبْ… لست بالواجد للصاحب عيبا
تجد الكُتْبَ على النقد كما… تجد الإخوان صِدْقًا وكِذابا
صالح الإخوان يُبْغٍيكَ المُنى… ورشيد الكُتْبِ يُيْغِيكَ الصوابا
هيا لنربي الأبناء على القراءة وحبها بل على فهم المقروء يقول أرنولدتوينبي :” ليست العبرة في كثرة القراءة، بل في القراءة المجدية ”
ما أجمل أن نقرأ ، ونفهم ما نقرأ !
mslm_86@