إن طبيعة أعمال البنوك تقوم على تدوير المال لتحقيق الربح المباشر، وتطوير الانشطة الاقتصادية ١في الدولة بشكل غير مباشر، عبر تمويل المشاريع، وتمويل المستهلك للانتفاع منها؛ بحيث يقدم البنك إئتمان لمن لا يملكه.
فإذا نظرنا إلى القطاع المالي في المملكة وبشكل خاص قطاع البنوك، نجد أن البنوك في السعودية تميل إلى تقديم إئتمانات عالية مقابل الضمانات العديدة، وبالتالي فإن رجال الأعمال، والمستثمرين، وكبار المودعين يحصلون على إئتمان عالي تتمثل غالبا في تسهيلات بنكية أو تمويل نقدي؛ إذ أنهم قادرين على تقديم ضمانات كافية كالرهونات العقارية، والأوراق المالية، وحتى تقييم السجل الإئتماني العالي. وبعبارة أخرى قادرين على صناعة الإئتمان بأنفسهم، لا سيما في الدولة السعودية، حيث رؤوس الأموال ضخمة ومهولة، بل أصبحت أحد روافد الإقتصاد الاقليمي في الشرق الاوسط. هذا ما يفسر حقيقة استقرار قطاع البنوك في السعودية رغم العديد من الأزمات العالمية، ولعل آخرها أزمة كوفيد-19.
وبالمقابل الشخص البسيط لا يحصل على إئتمان عالي مقارنة بما أسلفنا ذكرهم، وذلك لكونه لا يملك سوى رهن مصدر دخله بما يسمى ضمان عدم تحويل الراتب.
ولعل أبرز الأمثلة التقليدية هي أن يقوم مجموعة من رجال الأعمال بالاستثمار في شراء أرض، ورهنها لتمويل المشروع المقام عليها، في حالة تعثر المشروع يخسر حصته المدفوعة من قيمة الأرض والبنك ينفذ عليها، وفي حالة الربح يضاعف رأس المال الذي لم يتأثر بشكل جسيم. وبالمقابل الشخص العادي يرهن راتبه لمدة تتراوح بين 240 و 360 شهرا، مقابل تملك عقار عبر الايجار المنتهي بالتمليك (سابقا) /رهن العقار (حاليا) مما يستتبع تعثره بعد مضي فترة وجيزة؛ نتيجة لخفض سجله الإئتماني وتجاوز نسبة الاستقطاع الشهري نظرا لمعدلات الفائدة العالية لتغطية مخاطر تعثر العميل!
هذه الربحية المفرطة من شأنها أن تجرف الاقتصاد نحو التضخم دون الكساد، ما دامت الأموال تتبع أصحابها، لن نتمكن من ايجاد سوق مفتوحة أو حتى توزيع عادل للثروة. وما نراه هو خلل في تقييم مخاطر العميل، المفترض أن المستثمر يعتبر عميل عالي المخاطر، نتيجة لإن تعثره يؤدي إلى إفلاسه، والدخول في مزاحمة الدائنين وإجراءات لن تتكلل باستيفاء كامل التمويل وهامش الربح، أما الشخص البسيط فتعثره لن ينعكس على دخله الشهري، ومجرد إعادة جدولة بسيطة قد تحل النزاع.
لا شك أن صناعة الإئتمان محفوفة بالمخاطر، وتمس الاقتصاد الوطني، وما ذكرته هو فيض من غيض التحديات الواقعية لهذا القطاع، إلا أنني متفائل جداً لمستقبل قطاع البنوك والتمويل في المملكة في ظل توجهات قيادتنا الرشيدة نحو حوكمة هذا المكون الاقتصادي الهام.