وسط حضورٍ كثيف من أدباء ومثقفين وفنانين على مسرح جمعية الثقافة والفنون بالدمام، أقام منتدى الثلاثاء الثقافي أمسية مليئة بالمفاجآت تماوجت فيها المشاعر الجياشة مع القراءة المعمقة للتجربة الشعرية للأديب الراحل علي الدميني. فقد شاركت في الأمسية ولأول مرة زوجته الشاعرة فوزية العيوني التي تحدثت عن تحمسها في هذه الأمسية لكسر حالة الانطواء وآثار صدمة الفقد إلى مواصلة درب العطاء واعدة بإصدار ديوان مخطوط جديد للشاعر الراحل.
وقدمت الأمسية الأديبة رجاء البوعلي التي أتحفت الحضور بإلقاء مقاطع شعرية متميزة من تأليفها ومن قصائد الدميني، متنقلة بين أشعارها الجزيلة وأقوال بعض الأدباء البارزين حول التجربة الشعرية للدميني. وبدأت فقرات الأمسية بكلمة للمشرف على منتدى الثلاثاء الثقافي الأستاذ جعفر الشايب تحدث فيها حول استحضار شخصية علي الدميني الذي اعتبره شعلة لا تنطفئ ولا تخبو واصفا إياه أنه صديق ومحب للجميع وصاحب تجربة ثرية وملهمة، ومؤكدا على أن منتدى الثلاثاء الثقافي يواصل جهوده في الاحتفاء بالشخصيات والرموز الوطنية البارزة. أعقب ذلك عرض فيلم توثيقي عن حياة الأديب الراحل “شمس ذكرى لا تغيب” من انتاج جمعية الثقافة والفنون بالدمام، كما كانت لمشاركة الفنان محمد عبد الباقي حضور الشعر الصامت الذي انساب إلى مسامع الحضور كموسيقى كان من شأنها إضافة اللمسة السحرية على الأمسية.
وعبرت الشاعرة الدكتورة فوزية أبو خالد في ورقتها عن عميق مشاعرها تجاه صديقها الراحل الدميني الذي تجمعها معه علاقات وثيقة، وعددت أبرز معالم التجربة الشعرية للدميني في تميزها بتعدد الأطياف الإبداعية في ذائقته الشعرية وتعدد الشكل الشعري في اجتراحه التجديدي يقابله تركيز على تعدد أطياف النسيج الاجتماعي في تجربته كمثقف عضوي. وأضافت أن عمله الأدبي إبداعي ويفتح نوافذ إبداعية على قضية التنوير بمختلف أشكاله الأدبية من القصيدة إلى المقال ومن النصوص المفتوحة إلى البحوث والدراسات، موضحة أن شغفه الإبداعي كشاعر وإخلاصه الفكري كمثقف عضوي على تطوير موقف نقدي من داخل الحركة الثقافية للساحة المحلية يتأسس على الاستقلال الذاتي مع عدم التفريط في العلاقة التبادلية مع حركة النقد العربية والعالمية. ونوهت إلى أن فردانية تجربة الدميني وتعدد أشكالها ومشاربها الثقافية، تعد ملمحا مهما، فهو شاعر، ولكن بهويته الشعرية اجترح أشكالا أدبية أخرى.
وتناول دفة الحديث الدكتور حسن مدن حول التجربة الشعرية لعلي الدميني من منظور ثقافي، تحدث فيه حول ما ورد في كتابه “أمام مرآة محد العلي” الذي اعتبره يشكل مرجعا جديرا بالعودة إليه عند كتابة بدايات الحداثة الأدبية والمجتمعية في السعودية، مضيفا أن الدميني بما يملك من رؤية معرفية واسعة يتقصى أوجه هذه الحداثة من خلال تتبعه الدقيق والتفصيلي لتجربة محمد العلي وتأثيراتها على مجايليه وعلى الجيل اللاحق من الأدباء. وأضاف أن علي الدميني تحاشى المنزلق الذي وقع فيه آخرون حين حصروا حديثهم عن الحداثة في الجانب الأدبي، لينظر إليها بوصفها مشروعا فكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، واشتمل في حركته على قيم التنوير كالعقلانية وحرية الفكر والضمير والتفكير والابداع والتقدم وقيم العدالة الاجتماعية والمساواة والرفع من مكانة المرأة.
واستعرض الشاعر طلال الطويرقي عدة نماذج من المواقف التي جمعته بالشاعر الدميني، موجها كلمته بالحديث حول البعد الوطني في تجربة الدميني الشعرية، موضحا بأنه لا يمكن الفصل بين العام الخاص في شعر الدميني، كما أنه لا يمكن الفصل بين الوطن المكان والوطن الانسان، إذ هما يتساويان فيما بينهما في ثنايا نصوصه وحياته. وأشار إلى التقاطع الكبير بين شخصية طرفة بن العبد وعلي الدميني الذي اتخذه رمزا بنائيا وثقافيا في رياح المواقع، لا شعريا فحسب. وأشار إلى أن الوطن المكان يظهر عبر استخدامه المتكرر لمفردات بيئته كقرى غامد والرعيان والنخل، وهذه المكونات بأشكالها وتنوعاتها المتفردة برزت جليا في قصيدته “الخبت” التي سرد بعض أبياتها في كلمته.
واختتمت الأمسية بمشاركةٍ قدمتها زوجة الراحل الأديبة فوزية العويني بإلقائها قصيدةٍ من ديوانه الذي سلمها إياه كوصيةٍ أدبية ترافقها بعد رحيله.