من أكثر الأمثلة تداولا بين الشعوب العربية المثل القائل ” المال السايب يعلم السرقة ” ، وكلمة ” السايب ” كما تقول المعاجم هو الإهمال واللامبالاة وانعدام الرقابة والمحاسبة .
وتعود قصة المثل إلى أن ” بعض الأشقاء من ملاك الأراضي الزراعية، والذين أوكلوا إلى أحد المزارعين مهمة رعايتها وخدمتها، مقابل حصة يأخذها من الثمار والمزروعات. ولأن الملاك كانوا يسكنون في مدن بعيدة عن مكان الأرض المملوكة لهم، لذا كانوا لا يرتادون هذه الأرض، ولا يعلمون شيئاً عنها، مكتفين بما يرسله المزارع إليهم، مصدقين ما يدعيه لهم بأن الأرض لا تنتج من الثمار الكثير، وذلك خلافاً للحقيقة حيث كانت الأرض تنتج الكثير من الثمار. ومع ذلك، كان المزارع لا يبعث إليهم سوى الفتات، مستأثراً لنفسه بالنصيب الأكبر. وبعد مرور عدة سنوات على هذه الحال، تصادف أن التقى أحد الملاك مع أحد سكان القرية، فسأله عن أحوال القرية وحال الأرض المملوكة لهم، متسائلاً عما إذا كان العطش فعلاً قد أهلك الزرع، ففوجئ بأن الأمر مختلف تماماً وأن الخير يعم القرية منذ عدة سنوات، وأن أراضيهم تطرح ثماراً طائلة، وأن الفلاح الذي يخدمها قد اغتنى ويكاد يملك معظم أراضي القرية، بسبب ما يأخذه من وراء زراعة أراضيهم. وإزاء ذلك، ومن هول المفاجأة، أخذ هذا المالك يضرب كفاً بكف، ملقياً باللوم كله على نفسه وعلى أشقائه، قائلاً إن «المال السايب يعلم السرقة»، ومعترفاً ومقراً بالتالي بأنهم من أخطأوا بثقتهم العمياء في الفلاح، دونما أدنى رقابة أو متابعة من قبلهم ”
وتوافقا مع متطلبات العصر عدل المثل فاصبح يقال ” الرزق السايب يعلم الناس الحرام ” ، وهو في نظر اللصوص مثل راق لأنه يتحدث عن مال تركه أصحابه ، ولم يسرقه اللصوص لكن علمهم الحرام ، وفي جميع الحالات فإن اللصوص لصوصا سواء وجدوا مالا سايبا ، أو رزقا سايبا .
وهناك مثل آخر كان متداولا في المملكة لكنه غاب مؤخرا يقول ” دا مال الحكومة ” ، ويعنى أنه يمكنك استغلال المنصب الوظيفي ، بتعيين من تريد من أقارب وأصدقاء ، واستغلال المرافق والمنشآت والممتلكات الحكومية ، واستخدام الآليات والسيارات دون ان تحاسب على هذه التجاوزات ، ومع بروز هيئة الرقابة ومكافحة الفساد ” نزاهة ” بحملاتها لاستئصال الفاسدين ممن القطاعات الحكومية تراجعت نسبة المستخدمين لهذا المثل ، بعد أن دب الخوف فيهم ، ومن المؤكد أنه سيأتي اليوم الذي لا نجد لهم وجود في أي قطاع من قطاعات الدولة .
وما قامت به هيئة الرقابة ومكافحة الفساد ” نزاهة ” من حملات لتطهير القطاعات الحكومية من الفاسدين ، فمن المؤكد أنه سيأتي اليوم الذي نقول فيه أن المثل القائل ” المال سايب .. يعلم السرقة ” لم يعد له وجود ، بعد أن تدخل هيئة مكافحة الفساد لجحور الفاسدين وتستأصلهم الواحد تلو الآخر سواء بالقطاع الحكومي أو الخاص .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتواصل ahmad.s.a@hotmail.com