نبي الله يوسف بن يعقوب بن إسحاق عليهم السلام وهو أحد الأسباط الذين ذكرهم الله تعالى في سورة البقرة ولد في مدينة فدام آرام، وكان عليه السلام شديد الجمال، بدأت قصته عندما شاهد في المنام أحد عشر كوكباً والشمس والقمر ساجدين له وقص رؤيته على أبيه فأخبره والده سيدنا يعقوب عليه السلام بأن رؤياه تدل على أنه سيكون رجل عظيم، وصدق عليه السلام فقد بعث نبيا لبني إسرائيل ووردت قصته بالتفصيل في سورة كاملة في القرآن الكريم سورة يوسف التي أخبرتنا عن نشأته وحياته وشبابه وقصّته مع إخوته ومع امرأة العزيز وقصته في السجن وقصّته وهو عزيزاً لمصر ووالياً على خزائن الأرض ورجوع أبيه وإخوته إليه، أن في كل قصة من تلك القصص توجد العديد من الدروس والحكم ونستدل على ذلك من قولة تعالي ﴿ نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ ﴾، إن قصة يوسف عليه السلام تنفرد من بين قصص القرآن باحتوائها على عالم كامل من العبر والحكم فمنها نتعلم أن كيف نخطط لكل صغيرة وكبيرة في حياتنا فمن يفشل في التخطيط فهو يخطط للفشل والعمل الارتجالي لا يُؤتي ثماره ونستشهد بذلك عندما خطط سيدنا يوسف عليه السلام كيف يظهر براءته من ظلم امرأة العزيز له وخطط أن يكون أميناً على اقتصاد مصر وكان له ذلك وخطط كيف يستقدم و يستبقي والديه و أخاه في مصر، تعلمنا منها كيف نختار الثقات عندما نريد أن تحدث أو نستشير وأن ننفذ نصيحتهم ونستفيد من خبرتهم وتجاربهم في الحياة، تعلمنا منه عليه السلام العفة والأمانة وصيانة الأعراض وأن نستعين بالله تعالى في كل أمورنا ونطلب العون على عقبات الحياة ومشكلاتها من العلى القدير فالإنسان ضعيف بنفسه قوي بربه وأن ألا نحتكم إلا إلى شرع الله تعالى ولا نعترف بمقولة أن الغاية تبرر الوسيلة فالوصول للغايات المشروعة لا يكون إلا بوسائل مشروعة، تعلمنا من يوسف عليه السلام الصبر على قدر الله تعالى وابتلائه والأخذ بالأسباب وأن الطهر والعفة ربما تدفع ثمنها سجناً وألماً لكن يظل رضا الله تعالى هو الأهم مهما ضاقت بنا الدنيا وأن لا ننتظر الفرج إلا من الله تعالى أولاً وأخيراً وانه مهما طال ليل الظلم فلابد من طلوع النهار ومهما أحكم الباطل تدبيره فإن تدبير الله تعالى لا يغلب وأنه سبحانه يتولى الصالحين وأن المؤمن يبتلى وأن ابتلائه يكون على قدر دينه، وتعلمنا منه عليه السلام قاعدة شرعية في غاية الأهمية أن الحق هو ما شهد به الأعداء لا الأصدقاء حيث شهد له عزيز مصر وشهد له رفقاء السجن وشهدت له النسوة وشهدت له امرأة العزيز، تعلمت من نبي الله يوسف عليه السلام أن أعرض خبراتي وإمكانياتي وأبادر بالمساعدة وأن أكون إيجابياً وأن يتساوى عندي تلبية طلبي مع رفضه لأن ما أطلبه هو من باب التكليف لا التشريف فإن قبل أطلب العون من الله تعالى على العمل وإن رفض أحمد الله الذي عافاني من مشقته وأن أغلب العقل على العاطفة والشرع على العقل وأنه بالصبر واليقين يكون التمكين وأن الناس قد يكرهوننا لمزايا وليس لعيوب، تعلمت من نبي الله عليه السلام أن المظلوم منصور لا محالة مهما طال به الزمن طالما عمل بمقتضيات الصبر وحسن الظن بالله تعالى وفوض أمره لله تعالى وحده وأن الله تعالى إذا أراد أمرًا قال له كن فيكون وهيأ له أسبابه وأزال عواقبه و أن البريء هادئ الطبع ساكن الفؤاد لا يكذب ولا يحلف ولا يبرر وأن الهدوء والكتمان أقصر الطرق لتحقيق المُراد وأن المؤمن لا يعامل الناس بأخلاقهم ولكن بأخلاقه وأن قيمته الحقيقية بمنزلته عند ربه وليست منزلته عند البشر، تعلمت من يوسف عليه السلام ﺃﻥ الشدة هي من تبين المعادن الحقيقة فاﻷﻣﺎﻧﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﻣﻊ القدرة ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻴﺎﻧﺔ ﻭﺍﻟﻌﻔﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﻣﻊ القدرة ﻋﻠﻰ إتيان الفاحشة وأن الحلم والصبر الحقيقي لا يكون إلا مع القدرة على الانتقام ﻭﺃﻥ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ اليسر ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ العسر وأن من ترك المعصية ابتغاء مرضاة الله أبدله الله تعالى إيماناً وجد حلاوته في قلبه، أن ما جاء في سورة يوسف من عبر وقصص ما هي إلا أسس أن أتخذها المؤمن منهج في حياته نجى ونجح وحقق أمنياته وما ذكرته اليوم من قواعد منهجية في الحياة ما هو إلا غيض من فيض ولم أصل إلى إعماق تلك السورة العظيمة التي يتجلى فيها عظمة الايمان بالله وبتقديره للأمور فعندما ظن إخوة يوسف أنهم أوقفوا مستقبله لم يعلموا أن الله استخدمهم لبناء مستقبله، علينا أن نؤمن أنه لا يمكن لأي شيء أن يمنع ما قدره الله وتأكد بأنك لست تحت رحمة الظروف وحافظ على تفاؤلك وواصل حياتك وثق بأن كل مشكلة وحظ عاثر ما هو الا جزء من خير عظيم سيقدره الله لك.
بندر عبد الرزاق مال
مستشار وباحث قانوني
عضوية المجمع الملكي البريطاني للمحكمين
عضو بلجنة التحكيم وفض المنازعات بالغرفة التجارية الصناعية بينبع
عضوية جمعية الأنظمة السعودية جامعة الملك سعود
عضوية جمعية مكافحة الاحتيال السعودية
bander.abdulrazaq.mal@gmail.com