الحمد لله الذي جعلَ كلمةَ التوحيدِ لعباده حرزاً وحصنًا وجعل البيتَ العتيقَ مثابةً للناسِ وأمناً وأكرمه بالنسبةِ إلى نَفسِهِ تشريفاً وتحصينًا ومنَّا وجعلَ زيارتهُ والطوافَ به حجاباً بين العبدِ وبين العذابَ وَمَجَنَّا والصلاة والسلامُ على سيدنا محمد نبي الرحمة وسيدِ الأمةِ وعلى آله وصحبه قادةِ الحقِ وسادةِ الخلق وسلم تسليماً كثيراً.
وبعدُ: فإنَّ الحجَ من بَينِ أرْكَانِ الاسلام ومبانيه عبادةُ العُمُرِ وختام الأمَرِ وتمام الإسلام وكمال الدين.. فيه أنزل اللهُ عزَ وجلَّ: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً” (المائدة: 3).
وقال فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله كما في “الحلية” لأبي نعيم من حديث أبي هريرة – رضى الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: “ثلاثة في ضمان الله عز وجل: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله عز وجل، ورجل خرج غازيًا في سبيل الله تعالى، ورجل خرج حاجًّا”. قال المناوي – رحمه الله- في” فيض القدير: 3 /420″: في ضمان الله عز وجل: أي في حفظه وكلاءته ورعايته..ا .هـ.
وقال تعالى: “ولِلَّهِ عَلى النّاسِ حَجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا ومَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ” (آل عمران: 79). وقال الله تعالى: ” وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود” (البقرة: 125).. والمعنى: أى واذكر يا رسول الله وقت تصييرنا الكعبة المعظمة {مثابة} كائنة {للناس} أى مباءة ومرجعًا للحجاج والمعتمرين يتفرقون عنه ثم يثوبون إليه أى يرجع إليه أعيان الذين يزورونه بأن يحجوه مرة بعد أخرى.
والمملكة العربية السعودية ..شرفها الله بهذا الشرف، بتهيئة بيت الله لاستقبال ضيوف الرحمن.. والله أعلم حيث يجعل رسالته.
ولذلك.. أولت المملكة اهتماماً كبيراً في تطوير المناطق الدينية والمشاعر، من بينها المشروعات العملاقة التي أقامتها لتوسعة الحرمين الشريفين وتطوير المشاعر المقدسة، ومنها جسر الجمرات وقطار المشاعر، والتي تتناغم مع رؤية المملكة 2030، وتتيح الفرصة لزيادة أعداد قاصدي الحج والعمرة ليؤدوا مناسكهم بكل يسر وراحة وأمن وأمان.
وتعد التوسعة السعودية الثالثة للمسجد الحرام الأكبر في تاريخه، من حيث المساحة والتكلفة، التي تبدأ من شارع المسجد الحرام شرقاً، وتتجه على شكل هلال حتى شارع خالد بن الوليد غرباً في الشبيكة، وشارع المدعى وأبي سفيان والراقوبة، وعبدالله بن الزبير في الشامية، إضافة إلى جزء من جبل هندي وإلى شارع جبل الكعبة.
ويجسد مشروع الجمرات الرعاية والاهتمام اللذين توليهما حكومة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- لحجاج بيت الله الحرام، وتوفير أقصى وسائل الراحة والأمان والاستقرار، مما يمكنهم من أداء مناسكهم في أيسر السبل وأفضلها، وبما يحفظ لهم سلامتهم، ويأتي امتداداً للمشروعات التي أقامتها المملكة في منطقة المشاعر المقدسة خدمة للإسلام والمسلمين، حيث يعد من المشروعات الرائدة التي تعد نقلة حضارية وهندسية وفرت الحماية والأمان لضيوف الرحمن خلال توجههم لرمي الجمرات.
وامتثالاً لقول الله سبحانه وتعالى: “وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ” (المائدة: 2)، وامتثالاً لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً”، ثم شبَّك – صلى الله عليه وسلم- بين أصابعه، أو كما قال (رواه مسلم). ويقول أيضاً: “مثل المؤمنين في توادهم وفي تراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى” (رواه البخاري).
والحمد لله، فإن هذه الدولة المباركة التي شرَّفها الله باحتضان الحرمين الشريفين تبذل كل ما تستطيع لراحة وخدمة حجاج وعمَّار بيت الله، فعلى المواطن سواءً أكان رجل أمن أم داعية أم مواطناً عادياً أن يكون قدوة للحجاج في كل تصرُّف من تصرفاته؛ حتى يعكس الصورة الطيبة لهذا البلد وأهله، وأن يتفانى في خدمة الحجاج والعمَّار. وما يجب أن يُذكر فتُشكر هذه الأفواج الكثيرة من الدعاة والمشايخ والوعاظ الذين يشاركون مع وزارات: الشؤون الإسلامية، والداخلية، والدفاع، ورئاسة الحرس الوطني، وما يقوم به رجال الأمن من جهود مضنية وسهر على خدمة حجاج بيت الله الحرام، وكذلك الأعداد الكبيرة من شباب هذا البلد الذين يتطوعون مع الدفاع المدني والكشافة والهلال الأحمر وغيرها من الجهات الحكومية والأهلية في هذا الموسم المبارك.
ومن أعظم أوجه البر، قول سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ” الحجاج والعمَّار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم” (رواه أحمد). فاللهَ اللهَ في وفده وضيفه، جاؤوا ملبين دعوته قاصدين رحمته وراجين مغفرته، تاركين أوطانهم وأهليهم وأبناءهم ابتغاء رضوان الله تعالى، فأكرمْ بهم من وفد، وأنعمْ بهم من ضيف. خدمتهم شرف، والبذل لهم فضيلة، ورعايتهم من أعظم أوجه البر والخير والإحسان وطلب الأجر والثواب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلاماً على أشرف المرسلين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب سعودي، عضو مجلس إدارة شركة حجاج أفريقيا غير العربية
(القاهرة )