
نظّمت هيئة المتاحف لقاءً افتراضياً بعنوان «مستقبل المتاحف في عصر الرقمنة والتكنولوجيا الحديثة»، ضمن سلسلة لقاءاتها الشهرية الهادفة إلى استعراض التحديات والفرص في قطاع المتاحف. تحدث في اللقاء، الذي أدارته إيمان زيدان، مديرة متحف البحر الأحمر الذي تعمل هيئة المتاحف على تأسيسه، كل من الفنان أحمد ماطر والدكتور هيثم نوّار، مدير مركز الدرعية لفنون المستقبل، حيث قدّما رؤى متعمّقة حول تأثير الوسائط الحديثة على القطاع المتحفي ومستقبل الممارسة الفنية في ظل التحولات الرقمية المتسارعة.
في المحور الأول، تناول المتحدثَين تأثير التكنولوجيا على الفن والثقافة بشكل عام، حيث استعرض أحمد ماطر مراحلاً تاريخية لعبت دوراً تحوّلياً في المشهد الفني المحلي والعالمي ، مشيراً إلى أن الرقمنة أصبحت جزءاً أساسياً من الممارسة الفنية المعاصرة: »نحن نعيش في عصر الرقمنة، حيث أصبح الفن يواكب التحولات التكنولوجية. ففي الثمانينيات، كانت الفنون البصرية تعتمد على الصحافة الورقية والمطبوعات، التي لعبت دوراً أساسياً في نقل الثقافة والرأي العام. أما في التسعينيات، ومع حرب الخليج، شهدنا ثورة إعلامية مع ظهور قنوات تبث على مدار الساعة مثل CNN، مما أحدث تحوّلاً جذرياً في صناعة المحتوى. وفي مطلع الألفية، مثّل دخول الإنترنت إلى المملكة نقلة نوعية فتحت المجال أمام الفنانين والمثقفين السعوديين لاكتساب المعرفة والحوار وتبادل الأفكار حول الفنون؛ واليوم، مع تطور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، أصبحت فنون الميديا أو فنون الوسائط الجديدة جزءاً لا يتجزّأ من حياتنا”.
بدوره، أكّد الدكتور هيثم نوّار أن الفنّ وليد عصره، وأنّ الممارسات الفنية مرتبطة بالإطار التاريخي والجغرافي التي هي موجودة فيه. فتطّور الفن يواكب تطوّر الوسائل التكنولوجية المتاحة. وفي هذا الإطار، أشار نوّار الى أنّ “تعريف فنون الوسائط الجديدة مرتبطٌ بالزمان والمكان، لذلك للعالم العربي خصوصية لأن استخدام الفنان للتكنولوجيا في منطقتنا مقترنٌ بالتاريخ السياسي والاجتماعي للمنطقة.”
في المحور الثاني، ناقش المتحدثون العلاقة بين الفنان والتكنولوجيا، ومسألة مستقبل الممارسة الفنية في عصر الرقمنة والتكنولوجيا الحديثة. وعن المرحلة التي شهد فيها المجال الفني طفرة كبيرة مع انتشار التكنولوجيا، قال ماطر:
»في مرحلة زمنية معينة، ومع توافر التكنولوجيا، بات الجميع ينتج أعمالاً فنية، سواء كانوا فنانين حقيقيين أم مجرد هواة. لكن الزمن كفيل بإظهار الفنان الحقيقي، فهو وحده من يمتلك عناصر فنية جوهرية لا يمتلكها غيره. قد تتيح التكنولوجيا أدوات متعددة للجميع، لكنها لا تخلق الموهبة أو الإبداع والابتكار.
ومن ناحيته أكّد نوّار على أن التكنولوجيا ليست بديلاً عن الإبداع البشري، وإنما وسيط داعم له، وأسهب قائلاً:
“التكنولوجيا لطالما كانت جزءاً من تطوّر الفنون، لكنها تظل وسيطاً وليس منتجاً للفن. على مدار التاريخ، تطورت أدوات التعبير الفني، لكن القيمة الإبداعية الحقيقية تبقى مرتبطة بالفنان نفسه“.
كما تطرّق النقاش إلى تأثير الرقمنة على المتاحف، حيث شدّد الفنان أحمد ماطر على أن التكنولوجيا تُسهم في تعزيز دور المتاحف وإتاحة المحتوى المتحفي لجمهور أوسع ، وقال موضحاً:
“التكنولوجيا لا تجعل المتاحف أكثر حداثة فحسب، بل تُقرّبها أكثر إلى المجتمع، إذ تتيح للزوار الوصول إلى المحتوى المتحفي بطرق أكثر تفاعلية. كما أنها تلعب دوراً أساسياً في إطالة عمر المعروضات عبر توثيقها رقمياً، مما يمنحها استمرارية تتجاوز الزمان والمكان”
من جهته، اعتبر الدكتور هيثم نوار أنّه “حان الوقت لإعادة التفكير والتعريف بالمتحف وبدوره المجتمعي”، مؤكّداً أنّ استخدام الوسائل التكنولوجية في المتاحف من شأنه أن يعزّز الروابط بين المجتمع والمتحف ويبعث للمتحف روحاً جديدة تواكب التطور، مما يسهم في خلق مجتمع فني جديد.
وفي المحور الأخير، تطرّق المتحدّثون الى مسألة التربية على الفنون وتحدّي الحصول على التعليم في مجال فنون الوسائط الجديدة. في هذا السياق، أشاد الدكتور نوّار بالدور المحوري الذي تلعبه هيئة المتاحف في دعم الفنون الرقمية، مشيراً إلى أن المملكة العربية السعودية أصبحت من أوائل الدول التي أوجدت صرحاً تعليمياً متخصصاً في فنون الوسائط الجديدة عبر مركز الدرعية لفنون المستقبل الذي افتُتح في نوفمبر 2024. وقال:
“لأول مرة في المنطقة العربية، أصبح لدينا مركزاً أكاديمياً يُتيح للفنانين دراسة الفنون الرقمية والوسائط الجديدة بأسلوب نظري وتطبيقي متكامل. ففي السابق، لم تكن لدينا برامج أكاديمية متخصصة بهذا المجال، وكان الفنانون يضطرون للسفر إلى الخارج لاكتساب هذه المعارف. ولكن اليوم، أصبح المركز نافذة تُطلّ منها المملكة على مشهد الفن الرقمي العالمي”
ويأتي هذا اللقاء ضمن سلسلة اللقاءات الشهرية التي تنظّمها هيئة المتاحف، بهدف تسليط الضوء على دور المتاحف في تنمية المشهد الثقافي السعودي، واستعراض أبرز التحديات التي تواجه قطاع المتاحف، إلى جانب مناقشة سبل تعزيز استدامتها، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي والعالمي.