
في قلب مزدلفة، وعلى مقربة من مشعر منى ، يتربع مسجد المشعر الحرام، شاهداً على إحدى أبرز محطات الحجيج في رحلتهم الإيمانية، ومكاناً مباركاً له خصوصيته الشرعية، حيث قال تعالى: “فاذكروا الله عند المشعر الحرام”.
ارتبط المسجد بليلة المبيت في مزدلفة، وهو الموضع الذي يقف فيه الحجاج بعد نفرتهم من عرفات، يجتمعون فيه تحت سقف الطاعة والسكينة، ملبين ذاكرين، في مشهد تتجلى فيه روحانية الحج في أبهى صورها.
تاريخ مسجد المشعر الحرام
يعود تاريخ مسجد المشعر الحرام إلى القرن الثالث الهجري، حيث كان في بدايته مربع الشكل، صغير المساحة، بسيط البناء، ولم يكن مسقوفًا، وله ستة أبواب.
ومع مرور الزمن، تهدم المسجد ولم يبق منه سوى جدار في غرب موضعه يشير إلى القبلة. وفي عام 760 هـ جدد عمارته الأمير يلبغا الخاسكي، وفي عام 842 هـ جدد عمارته السلطان المملوكي الظاهر سيف الدين جقمق، وفي عام 874 هـ جدده السلطان قايتباي، ثم جاء العثمانيون وأجروا له عمارة عام 1072 هـ.
وفي العهد السعودي، تمت عمارته وتوسعته عام 1395 هـ على الشكل المستطيل، بتكلفة خمسة ملايين ريال، وبلغت مساحته خمسة آلاف وأربعين مترًا مربعًا، بطاقة استيعابية تتسع لاثني عشر ألف مصلٍ، ويبلغ طوله تسعين مترًا من الشرق إلى الغرب، وعرضه ستة وخمسين مترًا من الشمال إلى الجنوب، وفي مؤخرته منارتان بارتفاع اثنين وثلاثين مترًا، وله ثلاثة مداخل في كل من الجهة الشرقية والشمالية والجنوبية.
الهيئة الملكية تُطلق مرحلة جديدة من العناية بالمشاعر
في خطوة تطويرية نوعية، أطلقت الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وعبر ذراعها التنفيذي شركة كِدانة للتنمية والتطوير، مشروعًا استراتيجيًا لتطوير محيط مسجد المشعر الحرام بمزدلفة، ضمن خطة شاملة تُعنى بتحسين جودة الخدمات في المشاعر المقدسة، وترتكز على عنوان رئيسي: “تخفيف الإجهاد الحراري على الحجيج في المشاعر المقدسة”.
أكثر من 100 ألف متر مربع تتحول إلى واحة خدمية متكاملة
تم تنفيذ أعمال تطوير جذرية في محيط المسجد وعلى مساحة تجاوزت 100,000 متر مربع، شملت تحديثات شاملة للبنية التحتية، والخدمات اللوجستية، والمرافق العامة، بما يُعيد صياغة تجربة الحجيج في هذه النقطة المحورية من رحلتهم.
تحسين أرضيات المشاة… راحةٌ للقدم وروحٌ للرحلة
من أبرز معالم التطوير استبدال أرضية المنطقة من الأسفلت التقليدي إلى جلد مطاطي مقاوم للحرارة، مصمم لتحمّل عوامل التعرية، ولتخفيف الضغط على مفاصل الأرجل أثناء السير، مما يُخفف الإرهاق البدني عن الحجاج ويجعل المشي أكثر راحة وسلاسة.
مسار استراتيجي واحد يربط المشاعر الثلاث
يشمل المشروع تطوير طريق المشاة الحيوي الممتد من جبل الرحمة بعرفات، مرورًا بـمسجد نمرة، حتى مسجد المشعر الحرام، وانتهاءً بـمجمع الجمرات بمنى.
يمثل هذا المسار شريانًا رئيسيًا لحركة الحجيج، وقد تم تجهيزه بأفضل وسائل الراحة والخدمة.
خدمات متكاملة تُلبي حاجة الحجيج
دورات مياه متطورة تخدم الجنسين، وُزعت بعناية لتغطية المنطقة.
أعمدة إنارة عمودية بارتفاع 3 أمتار بتصميم هندسي موحد، توفر إنارة شاملة للموقع ليلاً.
حاويات نفايات حجرية الشكل موزعة بدقة لضمان النظافة والاستدامة البيئية.
حنفيات مياه باردة تعمل على مدار الساعة، تضمن توفير المياه العذبة في جميع الأوقات.
مساحات خضراء جمالية نُشرت في أماكن متعددة، تُضفي على المكان رونقًا بصريًا وانتعاشًا طبيعيًا.
مبانٍ إدارية لخدمة الحجاج ميدانيًا
شمل المشروع إنشاء مبانٍ ميدانية مخصصة لخدمات التوجيه والإرشاد والدعم اللوجستي، تهدف لتوفير استجابة سريعة وفعالة لأي طارئ أو استفسار يواجه الحجيج، وتكون نقطة ربط مباشرة بين الأجهزة التنفيذية والميدان.
المشعر الحرام.. حاضرٌ يُواكب التطلعات
إن هذا المشروع يُعدُّ خطوة نوعية نحو تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030 في تقديم تجربة حج استثنائية، تُراعي أدق التفاصيل، وتجمع بين عراقة المكان وقدسيته، وحداثة التنفيذ وجودته.
فكما حافظ مسجد المشعر الحرام على رمزيته الإيمانية عبر العصور، ها هو اليوم يُلبس حُلّة جديدة تليق بزائريه من ضيوف الرحمن، لتظل المشاعر المقدسة مرآةً مشرقة للتطوير الراقي والإدارة الحكيمة.