
ينتصب جبل “حبلان” في مركز الهدا بمحافظة الطائف، وسط الضباب العابر ونسمات الهواء الباردة، كواحدٍ من أعذب مشاهد الطبيعة التي تجود بها مرتفعات الحجاز. بعلوٍ شاهق يتجاوز 2177 مترًا عن سطح البحر، يقف الجبل كأنما يلامس الغيم، ويتربع على أعلى نقطة في وادي الأعمق، مشكِّلًا لوحة بديعة من التضاريس المهيبة والتكوينات الجيولوجية العريقة.
يأسر “حبلان” زوّاره بتنوّع صخوره المدهشة، التي تتوزع ألوانها بين البني الداكن، والرمادي الفاتح، وأطياف الأحمر الصدئ، وكأن الطبيعة أفرغت فيه مخزونها من الألوان. هذه الصخور المتناثرة على امتداد الجبل ليست مجرد تكوينات جامدة، بل ذاكرة من الزمن، تُحاكي العصور وتروي حكاية الأرض بلغة الجمال.
وعلى منحدراته الشاهقة، تتوزع أشجار العرعر والطلح، شامخةً كأنها حُرّاس للطبيعة، تعانق الريح وتزيد الجبل حياةً وخُضرة، في مشهد يعكس تناغمًا فريدًا بين الصخور والنباتات. في تلك الأعالي، تُسمَع زقزقات الطيور، وتلمع أوراق الشجر تحت ضوء الشمس، بينما يداعب النسيم الوجوه بنسمةٍ باردة تُنعش القلب قبل الجسد.
وما يُميّز جبل “حبلان” عن غيره، ليس فقط ارتفاعه اللافت، بل موقعه الاستثنائي المطلّ على طريق الكر السياحي، والمشاهد البانورامية التي تكشف أوديةً ومنحدراتٍ لا ترى نهايتها إلا عبر الأفق. تلك الإطلالة الساحرة جعلت منه مقصدًا لعشاق الكشتات، والمصورين، وهواة الطبيعة، الذين يجدون في تفاصيله متنفسًا من ضجيج المدينة وازدحام الحياة.
أما تسمياته المحلية المتعددة، مثل: الحبلة، أبو جراد، ولبنان، فهي انعكاس لحضوره التاريخي وشهرته في ذاكرة الأهالي، الذين توارثوا الحديث عنه جيلًا بعد جيل، كرمزٍ من رموز الطبيعة الطائفية الأصيلة.
في الهدا، حين يشتد الصيف وتشتعل المدن بالحرارة، يبقى “حبلان” بردًا وسلامًا، يُنثر منه عبق الجبل وهواؤه البارد، وتُكتب على سفوحه أجمل القصص، وترتسم من فوقه صور لا تُنسى.