
تواصل جمعية الكشافة العربية السعودية هذه الأيام رسم واحدة من أنبل صور التطوع في العالم، بخدمة ضيوف الرحمن، في قصة تتجاوز حدود الزمن، بدأت بجهود متواضعة، وتحولت إلى منظومة متكاملة ذات طابع مؤسسي تُجسد التميز والابتكار في ميدان العطاء.
منذ أواخر السبعينيات الهجرية، حين بدأ مئة كشاف من مكة المكرمة بخدمة الحجاج بالتعاون مع وزارة الحج، انطلقت الحكاية، ثم توالت المشاركات، واتسعت الدائرة، وتبلورت الرؤية، حتى أصبحت هذه الخدمة أحد أهم أركان العمل الكشفي في المملكة، بل وأحد أبرز ملامح صورة السعودية في مواسم الحج.
اليوم، تأتي جمعية الكشافة بخطوة متقدمة ترتقي بالعمل إلى مستويات جديدة من الأداء والكفاءة، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030. ففي موسم الحج هذا، تنطلق الجمعية بأسلوب مؤسسي منظم، يرتكز على مفاهيم الجودة الشاملة، ويعتمد على كوادر كشفية مدرّبة ومؤهلة، عملت على تطوير ذاتها من خلال التدريب وحضور الدورات المتخصصة، في سبيل تقديم خدمات تليق بعظمة المناسبة، وروح الزمان والمكان.
ولأن المملكة تؤمن بأن التميز لا يأتي من فراغ، فقد حرصت الجمعية على توفير بيئة آمنة تحترم مبادئ “الحماية من الأذى”، وفقًا لمعايير المنظمة الكشفية العالمية، كما واكبت التحولات التقنية المتسارعة لتقديم أفضل أداء تطوعي.
وما يُميز هذه التجربة أنها ليست محلية فقط، بل ذات بُعد عالمي. فمنذ أن تم الاعتراف بجمعية الكشافة السعودية عام 1383هـ من قِبل المنظمة الكشفية العالمية، شرعت المملكة في استضافة تجمعات كشفية عربية وإسلامية كل عامين، بدأت عام 1384هـ بموافقة الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وشاركت فيها فرق من أكثر من 24 دولة. وقد هدفت هذه المبادرة إلى تعزيز أواصر الإخاء بين شباب الأمة الإسلامية، ومساعدة الحجاج بلغاتهم المختلفة عبر شباب يتحدثون لغاتهم ويفهمون ثقافاتهم.
ثم، وبعد أن نضجت التجربة، واكتسبت الكشافة السعودية الثقة والخبرة، أُسندت المهمة بالكامل إلى أبناء الوطن، لينطلقوا في خدمة سنوية منتظمة منذ عام 1395هـ، شملت كافة مناطق الخدمة: مكة المكرمة، والمشاعر المقدسة، والمدينة المنورة، والمنافذ البرية، والجوية، والبحرية.
واليوم، تقف جمعية الكشافة العربية السعودية على أعتاب موسم حج جديد، وقد أتمّت استعداداتها لتقديم خدمة استثنائية للحجاج، مدفوعةً بعزم القيادة السعودية، التي لم تألُ جهدًا – بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين – حفظهما الله – في تسخير جميع الإمكانات لتيسير الحج، وجعل خدمة ضيوف الرحمن شرفًا تُسابق فيه القطاعات الزمن والجهد.
إنها قصة شغف وعطاء لا ينضب، كتبتها الكشافة السعودية على مدى عقود، وستظل تُروى للأجيال القادمة، لأنها ببساطة: خدمة من القلب… لضيوف الرحمن.