🖋️ يُظهر الكثير منا وقاره الجميل وجانبه المُشرق حينما يسمع أن فلان قد اقترف ذنباً، أو وقع في جريمة، أو زلت به قدمه! فيقول بصوت واحد حينها إذا أراد تلطيف العبارة: (الله لا يبلانا- اللهم لا شماته- هداه الله)! وغيرها من العبارات -البسيطة مثل هذه، أو المُغلظة التي ربما لا استطيع ذكر نماذج منها- التي تُعطيه مساحة يدخل فيها الى عالم الفضيلة! وتُغذي فيه الأنا المُتضخمة! وتُشعره أيضاً بأنه قد وضع إحدى قدميه في الجنة!
وانطلاقاً من قوله تعالى في سورة الروم (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) فالكثير منا شاءوا أم أبوا هُم شُركاء في ذلك، فعندما يقوم أحد الأبوين بتحطيم أبنه والتقليل منه! فهو شريك في جميع التبعات المُترتبة على ذلك، وذات الأمر ينطبق على الأم حينما تكيل لبنتها الكثير من الكلمات السيئة والعبارات القاتلة فهي أيضاً ستكون شريكة في النتائج اللاحقة!
ونفس الأمر ينطبق على المُدرس، وعلى كل من يُحيط بحياة الأبناء والبنات خصوصاً في مراحل الطفولة والمراهقة المراحل الحساسة، والتي إما أن تُبنى فيها شخصية الانسان بشكل صلب، أو تُهدم وتُصبح هشة، وقد يستعيد الانسان ذاته بعد ذلك بصعوبة بالغة! وربما لا يستعيدها للأبد، فيموت قبل أن يموت بعشرات السنين!
والله سبحانه وتعالى قال في سورة المائدة (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) فهذه الآية تشير الى أن إحياء النفس لا يتعلق بحماية الانسان من القتل، او بمداوته من المرض وحسب! وإنما يتجاوز الأمر الى جوانب نفسية لا تُرى، فليست جميع الجروح يخرج منها الدم كما يقال: (يسخر من الجروح كل من لا يعرف الألم)!
وخطورة إطلاق الكلمات السلبية، وترسيخ التحطيم، والحد من قدرات الشخص، والتقليل منه! وغيرها من جرائم الكلمات ولكمات العبارات التي يرتكبها بعض الكبار تجاه الصغار أن أثارها تبقى لسنوات طويلة مؤثرة في وجدان الانسان تؤلمه في كل وقت وحين.
والأدهى من ذلك كله ان نتائجها كارثية فلا تخلو إما أن تُخرج لنا شخص ضعيف الشخصية هش الذات إمعة لا يُقدم ولا يُؤخر، ولا يستطيع عيش حياة متوازنة لأنها مسجون في دور الضحية.
أو تُخرج لنا شخص متهور حاقد على نفسه قبل المجتمع! يعيش دور الجلاد، يضرب ولا يبالي، ويُشكل خطراً على المجتمع بمشاكله الكثيرة وجرائمه العديدة!
وحتى لو خرج من رحم هذه الكلمات المُخيفة وهذا التحطيم المُرعب شخصاً سوياً نافعاً للمجتمع فهو حتماً سيكون قد بذل جهداً كبيراً في مداواة وجدانه، وتضميد جروحه، ورغم ذلك ستظل أثار تلك الكلمات تُؤثر عليه بين الحين والآخر، وتظهر له في بعض الاوقات لتُذكره بالماضي الأليم!!
وكما تنص نظرية تأثير الفراشة على: (أن تحريك جناح الفراشة في الصين سيتسبب بحدوث إعصار مدمر في أمريكا) لتؤكد بذلك أننا كبشر نؤثر في بعضنا البعض، وكلما غرسنا بُذور المحبة عبر الكلمات الطيبة والأفعال الخيرة في العقول والقلوب، خصوصاً فئة الأطفال والمُراهقين فإننا نُحي فيهم الامل، ونجعلهم يمضون في البناء لا الهدم، ويُساهمون في التنوير لا الظلام، ويُصبحون أيادٍ بيضاء في خدمة الوطن.
حكمة المقال
لأننا لا نستطيع كتم أفواه الآخرين ولأننا نبحث عن الأجرين فعلينا أن نبني أسوارَنا الداخلية، ونُعزز من صلابتنا الذاتية تجاه جميع الكلمات حتى لو كانت تجرح مثل جرح السيوف! فالبقاء دائماً للأقوى، وفي هذا يقال: (أنت لا تستطيع أن تمنع الآخرين من طرق بابك، ولكن بإمكانك ألا تفتح لهم).