عندما تهمدُ مسٰاعينا المتأججة بعد أن تُطوى سنينُ العمر وتستقر مشاعرنا، نَنْفَرِدُ بأنفسنا نَتَلَمَّسُ حصيلتُنا في كل النواحي التي قطعناها بعدَ كلِ ما مضىٰ.
لا يرغبُ أيُ امرؤٌ أن تكون غنيمته الوحدة وتوسل الشعور بالأمان، وليست الوحدة بغنيمة اصلاً، وحدة الايام والمشاعر ، والروح التي لم تأمن بعد هذا الشوط الطويل الذي مرت به.
نعيش أيامنا نلقِ بالاً للصغيرة والكبيرة، الشاردة والواردة، نعاتب ونغضب وننفصل عمن حولنا رويداً رويدا ، نقاطع فلان ونصاحب اخرين، وأحيانا لا نحفظُ الود بضمان وجود البدائل ، وكثيراً نصُدُ العطاء ونتصيَّدُ الأخطاء، ثم الوقت يقطعنا إلى لحظة نتعثرُ فيها وننظر ما مِن حائطٌ قائمٌ يسنِدُ ظهورنا، لا كلمة تواسِ، ولا يد تأخذ بأيدينا، ولا صوت يفكرُ معنا، و أظننا لا نريد ان نصل إلى عيش هذه اللحظة من الندم على خسارة كان من الممكن أن تُكتسب، على صديقِ الأمس الذي اصبح غريباً، على كلِ مواقف اللين اللتي قوبلت بتبلد وقسوة. لا نريد أن نهرَم ابداً فارغي الوفاض بلا رفيق وشريك وصديق و.. و.. الخ .
يقال :العزُ في العزلة، ولكنّه لا بد للناس من الناس، ولا شك أن لكلِ مزارعٍ ما زرعت يداه، تجدُ المرءُ في شبابه مُغتراً مشغولاً، غير مبالٍّ بعائلتهِ لم يسبق أن تلمَسَ جوانبهم المعنوية والبعض منهم حتى حاجاتهم المادية؛ ويتوقع العطاء والاحتواء في بدايات شيخوخته، يريد أن يحصد زرعاً غير الذي زرعه.!
ظاهرة اخيرة قرأت استطلاع رأي يثبتُ وجودها، والكثير من الأراء تؤكد انصراف الشريك عند تقاعده وبعد وصوله لسن متأخرة عن العادات التي كان يقوم بها؛ فتجده يلازم المنزل ويرغب في عيش أجواء دافئة مع عائلته التي لم تعتد على تلك المشاعر ولم تشعر بالأمان الذي يجعلها تحول بينه وبين الوحدة القريبة على أبوابه، ردة فعل منطقية فلكلِ فعلٍ ردةُ فعلْ.
برأيي لا يستقيمُ أحدٌ بدون ونَس للنفس والروح، فالتفسُ هي شخصُ الإنسان متمثلةً في بدنه، والروح مجردة هي جوانبه المعنوية الغير ملموسة، فنحن دائماً بحاجة إلى شيء ما ، شخص ما بِغَضْ النظر عن صفته في حياتنا، لذلك سنحاول جاهدين أن نبني أواصر الود وننمي روابط العفو، ونحافظ على مكعب البازل الذي يكمل قصتنا في النهاية.