شهدت الساحة الثقافية في بلادي المملكة العربية السعودية السنوات الأخيرة تحولًا لافتًا، حيث برزت المقاهي (الكافيهات) كبديل حيوي للأندية الأدبية التقليدية التي لم تعد تجذب الجمهور كما في السابق حتى انتهت تماما ، وجاء هذا التحول بفضل مبادرة "الشريك الأدبي"، الذي أسهم في إحياء الحراك الثقافي والاجتماعي من خلال تحويل المقاهي إلى ديوانيات أدبية تستقطب الأدباء والمثقفين من مختلف الفئات.
وبفضل هذا الحراك الحيوي لم تعد المقاهي مجرد أماكن لشرب القهوة وتبادل الأحاديث العابرة، بل تحولت إلى منصات ثقافية تنبض بالحياة، حيث تُنظم الأمسيات الشعرية، واللقاءات الأدبية، والجلسات الحوارية التي تناقش الكتب والفنون والفكر ، هذا الحراك أتاح للجمهور، بمختلف اهتماماته، فرصة قضاء أوقات مفيدة ومثرية، بعيدًا عن الأندية الأدبية التقليدية التي فقدت بريقها حتى انتهت تماما
وفي راي أن هذا التحول يحقق فوائد ثقافية واجتماعية واقتصادية في آنٍ واحد:
- ثقافيًا: يتيح للكتّاب والشعراء والفنانين مساحة حرة للتعبير، كما يسهم في نشر الوعي الثقافي وتعزيز حب القراءة والنقاش.
- اجتماعيًا: يجمع الشباب والكبار من الجنسين في بيئة فكرية تفاعلية، مما يسهم في تعزيز الحوار والتواصل بين مختلف الأجيال.
- اقتصاديًا: ينعش قطاع المقاهي من خلال تقديم تجربة مميزة تجذب الزبائن، مما يزيد من العائدات ويخلق فرص عمل للشباب.
من خلال إقامتي في الولايات المتحدة، اعتدتُ على ارتياد المقاهي، لكن التجربة هناك تختلف من حيث الاهتمام الكبير بجودة المشروبات والمأكولات الخفيفة، بالإضافة إلى الديكور المميز الذي يجعل المكان أكثر جاذبية وراحة ، وفي بلادنا ، تشهدت المقاهي تطورًا ملحوظًا، حيث أصبحت أكثر اهتمامًا بتجويد المشروبات وتقديم أطباق خفيفة من الحلويات ذات جودة عالية، فضلًا عن تحسين الديكورات وترتيب المساحات لتوفر بيئة مريحة وممتعة، حتى باتت تلك المقاهي تتفوق على تلك الموجودة في المدن الكبرى في أمريكا وأروبا
واليوم، باتت المقاهي في العديد من المدن السعودية أكثر من مجرد محطات للراحة، بل أصبحت جزءًا من المشهد الثقافي والاجتماعي، تساهم في تحقيق أهداف جودة الحياة، من خلال توفير بيئة جاذبة تجمع بين الترفيه والتثقيف. وما يبعث على الفخر، أن هذه المقاهي تُدار بأيدٍ شبابية سعودية من الجنسيين ، تحقيقا لرؤية البلاد المباركة 2030، حيث نجد الكثير من روّاد الأعمال من الشباب والشابات يملكون هذه الأماكن ويديرونها بكفاءة، مما يعزز دورهم في الاقتصاد المحلي ويثبت قدرتهم على الابتكار في مجالات غير تقليدية.
المقاهي الأدبية ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل هي امتداد طبيعي لتطور الحياة الثقافية والاجتماعية، وهي دليل على أن الشباب قادرون على إعادة تشكيل المشهد الثقافي بطرق مبتكرة ومواكبة للعصر ، وإن هذا الحراك الثقافي الذي يقوده "الشريك الأدبي" يثبت أن الأدب والثقافة يمكن أن يزدهرا خارج الأطر التقليدية، وأن المقاهي يمكن أن تكون منارات للمعرفة والتفاعل الإيجابي.
ــــــــــــــــــــــ
*رئيس التحرير





