يُعتبر الشعر ديوان العرب، حيث قال ابن عباس رضي الله عنه: (الشعر ديوان العرب فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها فلتمسنا ذلك)، فالشعر العربي ذو أهمية كبيرة؛ كونه استوعب كافة خصائص الأصل العربي، وأحاط بجلّ مادة العرب اللغوية، وكان الشعر العربي الجاهلي فناً مستوعباً أسباب النضج اللغوي والكمال الفني، وبناءً على ذلك أوصى الصحابة والسلف بالاهتمام بالشعر العربي الجاهلي
وقد ذكر ابن قدامة أن الشعر صناعة كأي صناعة من شروطها العناية والجودة عند أي قاصد لصناعته ومثل هذه الصناعات الشعر يحتاج إلى العناية والجود والتأثير والبلوغ من التجويد والعناية المطلوبة تكون ألفاظه مفهومة خالية من عيوب الفصاحة قريبة للمتلقي ، سهل العروض ، قوافيه عذبة الحرف ، بعيدة عن العيوب في اللغة والإعراب ولا شك إن هناك شيئا يتميز به المبدع عن غيره ، هذا الشيء يتصل بانفعالاته ، وقدراته التخيلية وقد نما هذا الاعتقاد في نفس الوقت الذي أخذ فيه الفن الشعري يتميز عن بقية المظاهر الأخرى ، فالشاعر المبدع أصبح متميزا عن بقية الصناع فلا عجب إذا أصبحت الموهبة الإبداعية تعد شيئا فريدا ونادرا وكان الأصمعي يقول : " فرسان الشعر أقل من فرسان الحرب" والمتتبع للشعر عند العرب واهتمامهم به يرى عجبا فلم يمر عصر من عصور الدولة الإسلامية إلا ورأينا من يهتم به من الخلفاء والأمراء والقادة ولعلنا نذكر بعض مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الشعر ، فكما رؤي أن سودة أنشدت " عديٌّ وتيم تبتغي من تحالف" فظنت عائشة وحفصة رضي الله عنهما أنها عرضت بهما ، وجرى بينهن كلام في هذا المعنى فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليهن وقال : ياويلكن ! ليس في عديكن ولا تيمكن قيل هذا وإنما قيل هذا في عدي تميم وتميم تميم وتمام هذا الشعر :
فحالف ولا والله تهبط تلعة .. من الأرض إلا أنت للذل عارف
ألا من رأى العبدين أو ذكرا له .. عدي وتيم تبتغي من تحالف
وقد ارتاح صلى الله عليه للشعر واستحسنه في الخبر من وجوه حديث النابغة قال: أنشدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قولي:
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا .. وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أين المظهر يا أبا ليلى" فقلتُ الجنة يا رسول الله قال " أجل إن شاء الله " ثم قال " أنشدني" فأنشدتُه من قولي:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له .. بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
فقال صلى الله عليه وسلم " أجدت، لا يفضض الله فاك" قال الراوي فنظرتُ إليه فكان فاه البرد المنهمل ، ما سقطت له سن ولا أنفلت ترف غروبة
ومثل هذا الموقف موقفه مع كعب ابن زهير وحسان ابن ثابت من استحسانه لشعرهم وارتياحه له
وقوله صلى الله عليه وسلم " إن من الشعر لحكمة ، وإن من البيان لسحرا" وقوله لحسان " قل وروح القدس معك"
وقد استشهد العلماء لغريب القرآن وإعرابه بالأبيات فيها الفحش وفيها ذكر الفعل القبيح ثم لم يعيبهم ذلك إذ كانوا لم يقصدوا إلى ذلك الفحش ولم يريدوه ولم يرووا الشعر من أجله ، وكان الحسن البصري رحمه الله يتمثل في مواعظه بالأبيات من الشعر وكان من أوجعها عنده:
اليوم عندك دلها وحديثها .. وغدا لغيرك كفها والمعصم
وكان عمر بن الخطاب يتمثل بالشعر ومما تمثل به شعر عمارة بن الوليد عندما وزع الحلل :
أسرك لما صرع القوم نشوة .. خروجي منهم سالم غير غارم
بريئاً كأني قبل لم أك منهم.. وليس الخداع مرتضى في التنادم
سيبقى الشعر العربي طوداً راسخاً ما بقي الزمان ، تترنم به النفوس وتطرب له وأقول :
الشعر للروح روضٌ تستقر به .. ويغني الروح في أحضانه ثمر
ومن ميادينه يعطيك أخيلةً.. على ربى القلب كم يحلو به الأثر
مكانه في قصور الحكم من زمنٍ ..
وفي الميادين مثل السيف ينهمر
ــــــــــــــــــ
للتواصل
Ms1l9@hotmail.com