نعود بكم ثانيا لإلقاء الضوء على القطاعات العامة والخاصة المشاركة في خدمة الحجيج ونستعرض منظومة العمل في الحج ، ففي موسم الحج، حيث تحتشد الملايين من المسلمين في بقعة واحدة، تصبح السلامة مطلبًا أساسيًا، والبيئة أمانة كبرى. ومن هنا يبرز دور المركز الوطني للأرصاد كلاعب رئيسي خلف الكواليس، يراقب السماء، يحلل الرياح، ويحذر من العواصف، ليكون للحاج طمأنينة في طريقه، وللبيئة حرمة في مكانها.
منذ اليوم الأول لموسم الحج، وحتى انتهاء آخر فوج، تظل غرف العمليات في المركز الوطني للأرصاد في حالة استنفار دائم. خبراء الطقس يرصدون الأحوال الجوية على مدار الساعة، من مكة إلى منى، ومن عرفات إلى مزدلفة. كل متغير جوي يُراقب بدقة: الحرارة، الأمطار، الرياح، حتى الرطوبة، وكلها تُترجم إلى توقعات تصل للمسؤولين قبل أن تفاجئ الحجاج.
لا يكتفي المركز بالمراقبة، بل يرسل إنذارات مبكرة وتحذيرات دقيقة للجهات المعنية عند وجود ظواهر جوية قد تؤثر على سلامة الحجيج، مثل الأمطار الغزيرة أو موجات الحر أو الرياح المثيرة للغبار. هذه المعلومات تساعد في إعادة جدولة تنقلات الحجاج، أو تجهيز المرافق، أو توجيه الفرق الطبية واللوجستية للمواقع الأكثر عرضة للخطر.
المركز الوطني للأرصاد لا يعمل منفردًا، بل يُشكل حلقة وصل علمية مهمة بينه وبين وزارات الحج، الداخلية، الصحة، والهلال الأحمر. هذه الشراكة تخلق تناغمًا في اتخاذ القرار وتوزيع الجهود، فالمعلومة الجوية الدقيقة تساهم في إنجاح خطة مرورية، أو حماية موكب حجاج، أو تفعيل خطة طوارئ طبية في وقت قياسي.
بعيدًا عن أجهزة الرصد، يقوم المركز بدور توعوي فعال من خلال رسائل إعلامية، تنبيهات نصية، ولوحات إرشادية، تساعد الحجاج على معرفة السلوك الصحيح عند تغير الطقس. ماذا تفعل عند سقوط المطر؟ كيف تحمي نفسك من ضربة الشمس؟ كلها أسئلة يجيب عنها المركز بلغة بسيطة موجهة لكل حاج بلغته وثقافته.
إلى جانب دوره الأرصادي، يحرص المركز على حماية البيئة في المشاعر المقدسة، من خلال مراقبة جودة الهواء، وقياس مستويات التلوث، والحد من الانبعاثات الضارة، خاصة في المناطق المزدحمة مثل منى وعرفات. فالحفاظ على البيئة هو جزء لا يتجزأ من حسن الضيافة، ومن احترام قدسية المكان.
عموم القول ان المركز الوطني للأرصاد وحماية البيئة هو الجندي الصامت في معركة الزمن والمناخ خلال موسم الحج. لا يظهر أمام الكاميرات، لكنه حاضر في كل قرار، وكل خيمة، وكل خطوة. هو من يمنح الحاج الطمأنينة بأن وراء هذا التنظيم عينًا تسهر… وسماءً تُقرأ قبل أن تُمطر.