عدتُ إلى مكة المكرمة، مدينتي المقدسة التي أسكنها وتُسكنني، وكان أول نشاط أشارك فيه بعد العودة هو حضور الاجتماع الشهري لمكتب رواد الكشافة بمكة المكرمة ، اجتماعٌ معتاد في شكله، لكنه حمل في جدول أعماله ما أثار لديّ رغبة في الكتابة والتأمل.
ففي هذا الاجتماع، قُدمت التهاني لمكتبي محافظة بحرة ومحافظة الجموم الحديثتين ، بمناسبة تعيين الأختين العزيزتين: الرائدة شادية جنبي، والرائدة هدى مؤمنة . لحظة كانت مليئة بالترحاب والمشاعر الطيبة.
لكنني، وأنا أبارك بحرارة، لم أستطع أن أمنع عقلي من أن يطرح بعض التساؤلات…تساؤلات لم تأتِ من باب النقد، ولا من باب الاعتراض، بل من رغبة صادقة في الفهم، ومن حرصٍ على عمل رواد الكشافة والمرشدات الذي أعشقه وأحمله مسؤوليةً في القلب.
سألت نفسي: هل تُبرر المسافة الجغرافية بين مكة والجموم وبحرة، ومع ما بينها من قرب سكاني وتداخل اجتماعي، وجود ثلاثة مكاتب لرواد الكشافة والمرشدات مستقلة؟ .. خاصة أننا في المنطقة نعاني أصلًا من شُح واضح في أعداد الرواد والرائدات ، أم أن المسألة تتعدى الجغرافيا، وربما تعود لرغبة في الاستقلال التنظيمي؟ أو حتى لشيء من عدم الرضا عن أداء المكتب الرئيس في مكة المكرمة .
ثم وجدتُ نفسي أمام سؤال آخر: إذا كان إنشاء هذه المكاتب قد تم بشكل نظامي، فهل يُشترط أن يكون المنتمون إليها من أبناء وبنات تلك المحافظات؟
وهل تُدار فعليًا من داخل حدودها، أم (افتراضيا) من أي مكان آخر؟ ..خصوصًا أن من تم تعيينهن في مكاتب محافظات (بحرة) و(الجموم) هما في الأصل من سيدات من مكة المكرمة ويقمن فيها، لا في المحافظتين المذكورتين.
وبما أن التساؤلات تتوالد من رحم المواقف، وجدتني أتأمل مسألة الانتماء للمكاتب.هل هناك ما يُلزم الرائد أو الرائدة بالسكن داخل النطاق الجغرافي للمكتب الذي ينتمي إليه؟
وإذا لم يكن هذا الأمر مُنظّمًا في لوائح الرابطة، فهل آن الأوان لفتحه للنقاش؟ ليس تقليصًا للحركة، بل تنظيمًا لها.
وما موقف الرابطة – على مستوى اللوائح – من الانتقال بين المكاتب؟
هل يمكن للرائد أن يكون اليوم في مكتب مكة المكرمة ، وغدًا في مكتب محافظة بحرة، وبعد غدٍ في مكتب محافظة الجموم دون أي إجراءات رسمية أو إشعار للمكتب السابق؟ .. أليس من الأولى أن يكون هناك حد أدنى من الإجراءات التنظيمية؟ كإخلاء الطرف أو تقديم خطاب اعتذار، حفاظًا على وضوح المشهد واحترامًا للمكاتب وزملائها.
ثم جاء السؤال الأوسع:هل ستلتزم هذه المكاتب الثلاثة بحدودها الإدارية؟ أم سنجد مكتب محافظة الجموم يقطع 30 كيلومترًا ليقيم نشاطًا في ساحات المسجد الحرام .. أو مكتب بحرة يُقيم برنامجًا على أطراف جدة؟ أين تقف الحدود؟ وأين يبدأ التنظيم؟ ؟(في غير المواسم) لان المواسم لها خصوصية أخرى وياتي إلى هذه البقعة القاصي والداني
وإذا عدنا قليلًا إلى الوراء، نتذكّر أن مكة المكرمة نفسها شهدت سابقًا محاولة لإنشاء مكتب شرق مكة المكرمة ، وهي فكرة لم ترَ النور رغم حصولها على ضوء أخضر من القيادة العليا للرابطة، لماذا توقفت؟ لا نعرف. لكن المؤكد أن من تراجع عن الفكرة هم أصحابها أنفسهم.
رغم كل ما سبق، لا أستطيع أن أتجاهل الجانب المشرق في إنشاء المكاتب الجديدة.
فربما يكون هذا التوسع بداية لحراك جديد، يعيد روح المنافسة بين المكاتب ويوقظ الحماسة من جديد.
وربما تُفتح بذلك الأبواب أمام من كانوا مترددين في الانضمام لنشاط الرواد ، فأصبح أمامهم اليوم أكثر من خيار، وأقرب من فرصة. بل وقد يعود من ابتعد طويلًا، ليجد في هذه المكاتب مساحة جديدة للمشاركة.
أختم بما بدأت به: بمباركتي الصادقة للأختين العزيزتين الفاضلتين، الرائدة شادية جنبي والرائدة هدى مؤمنة ، متمنيًا لهما التوفيق والسداد في مهامهما الجديدة، ومتمسكًا بالأمل في أن تشهد منطقة مكة المكرمة – مهد الحركة الكشفية في المملكة – مزيدًا من التكامل لا التشتّت، ومزيدًا من التنظيم لا الاجتهادات الفردية.
فمن مكة المكرمة بدأنا، ومنها يجب أن نحسن الانطلاق من جديد.
وقد كُتبت هذه الأسطر في لحظة صفاء ذهني وهدوء نفسي، في الصباح الباكر، قبل أن تبدأ أعمالي اليومية، حيث كان التركيز حاضرًا، والفكر متزنًا، بعيدًا عن أي ضغط أو مؤثر خارجي.
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.





