“لا ليل يكفينا لنحلم مرتين” محمود درويش.
لنعش معاً حلماً واحداً لا حلمين , لنحلم معاً مرةَ واحدةَ لا مرتين, فإن كان الليل لا يكفي فإن قوةَ إدراكنا تكفي لأن نعيش الحلم واقعا, لنحول تلك اللحظات التي تتساوى فيها كفتي الميزان إلى واقع, ففي الأحلام فقط نتساوى جميعا ,في الأحلام فقط يعادل اليوم عاما, في الأحلام فقط تكون فصول السنة كلها ربيعا.
ربما يكون عالم الأحلام هو العالم الوحيد الذي لا قانون فيه ولا يحكمه زمان ولا حتى مكان, قد تعيش فيه بعد ألف عام وتموت فيه قبل ألف عامٍ من ولادتك, كل الأمور في ذلك العالم قابلة للحدوث دون استثناءات ودون استفهامات, قد تمشي في البحر وتسبح في الرمل وقد تهبط إلى السماء و ترتقي إلى الأرض دون ان تتسائل كيف هذا؟
في الأحلام يمكنك أن تولد مرتين وتموت عشرات المرات وتغير من نفسك ومن هويتك لتصبح انساناً آخر, هو انعكاس لما تريد أن تكون عليه في الواقع, في الأحلام بإمكانك أن تكون شاعراً حالماً تتراقص على شفتيه الكلمات, أو عازفاً طامحاً يعزف بعينيه فيستجب الكمان لهما قبل أن يلمسه, هكذا هي الأحلام, عالم من لا عالم له.
أحداث لا تفهمها إلا أنك تعيشها ثم تنهض من نومك لتحكيها بملامح يملأها الحبور, رغم انك قد تكون فيها مهدداً, أو ترى نفسك ميتاً, أو تجري مخافة وحشٍ لتنهض وأنفاسك تلهث, قد تمسك بيد أخيك ثم تتفاجأ بأنه آخر, قد تكون بطلاً في الحلم ثم تنهض وتتذكر كل الأحداث عداك, كل هذه الأحداث اللامنطقية تتلاشى بعد ثوان, وربما تبقى ولكن ساكنة خاملة.
أحلامنا التي نؤوي إليها ليلاً لنعيش حياة أخرى هي ذاتها ارواحنا واجسادنا, فالأحلام ليست بعيدة وليست بالمستحيلة, ما هي إلا نتاج افكارنا واهدافنا, التي صنعت لنا عالماً آخر وحياة أخرى, عالمٌ كل العيوب فيه محاكة, لا نستجيب لها لا بالسلب ولا الإيجاب, عالمٌ يمنحنا سنواتٍ مقابل لحظة,يمنحنا اللاشعور دون ان يسلبنا الشعور, يمنحنا ما لاندركه في الواقع لنصبح في عالم الأحلام وكأننا من عوالم الخيال التي تتيح لنا صنع فجوة نعود منها إلى الماضي أو نعبر بها إلى المستقبل, قد نلتقي بأنفسنا ونتبادل الحديث, قد نغير من مسار حياتنا لنحذف سنوات أو نضيف أحداث, قد نمحو أشخاص لنعيد ترتيب وريقات الحياة.
ليس من الجنون أن نتحدث عن عالم الأحلام الذي نكون فيه في أوج الراحة وربما في قعرها دون أن ندرك أو نهتم أو أن يؤثر فينا بأي حال من الأحوال, ولكن لربما الحديث والتفكر في هذا العالم -اللامتناهي والمتساوي والمتضاد والمترادف ايضاً في ذات اللحظة- يقودنا إلى فكرة أن نحول العالم أجمع إلى حلم ولكن وفق قانون الحياة الذي لا يتضمن حرباً بل سلماً ولا يتضمن إماتةً بل إحياءً, كما لا يتضمن ظلماً بل عدلاً, قانون الحياة الذي وإن غلبت علينا المشاعر لا تؤذينا ولو للحظة, لما لا نوحد هذا العالم في حلم واحد وإن طال يبقى هو الحلم الذي يحتاجه الجميع, الحلم الذي لا يتقيد بليل واحد ولا يتنافى مع النهار الذي جعل معاشا.
لنصنع من العالم حلماً جميلا متفرداً عن بقية الأحلام, حلم نكون فيه أعمق مما نبدو وأحن مما نظن, ليس هذا الحلم بالبعيد ولا بالصعب الممتنع, إنما هو قريبٌ وأقرب مما يبدو, فقط لنؤمن به ونؤمن بإمكانيته, فكلٌ منا له عالم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*اعلامية عمانية