تعددت تعريفات العقد الإداري ومن التعريفات الجامعة له “العقد الذي يبرمه شخص معنوي عام بقصد تسيير مرفق عام او تنظيمه، وتظهر فيه نية الإدارة في الاخذ بأحكام القانون العام، آية ذلك ان يتضمن العقد شروطاً استثنائية، وغير مألوفة في القانون الخاص او ان يخول المتعاقد مع الإدارة الاشتراك مباشرة في تسيير المرفق العام”
من هذا المنظور نرى ان اهم ما يميز العقد الإداري عن غيره من باقي العقود، كون أحد أطراف العقد شخص معنوي عام، ووجوب تعلقه بمرفق عام، وان يتم استخدام وسائل القانون العام؛ وهذا ما سنوجز فيه.
ويعني استخدام وسائل القانون العام، تضمن العقد شروط استثنائية غير مألوفة في مجال عقود القانون الخاص؛ والشرط الاستثنائي: هو الذي يمنح جهة الإدارة سلطة تعديل شروط التعاقد او انهاء العقد دون الرجوع للطرف الاخر، او ان تكون لها سلطة توقيع جزاءات على المتعاقد بنصوص النظام بما تراه للمصلحة العامة دون التعسف بمصلحة المتعاقد الاخر.
من اهم هذه الصور السحب الجزئي الذي تم النص عليه بنظام المنافسات والمشتريات الصادر بموجب المرسوم ملكي رقم (م/128) وتاريخ 1440/11/13هـ، حيث نصت المادة 75 على انه: ((للجهة الحكومية سحب جزء من الاعمال والمشتريات وتنفيذها على حساب المتعاقد معه؛ إذا أخل بالتزاماته التعاقدية بعد انذاره، وتوضح اللائحة التنفيذية ما يلزم لنص هذه المادة)).
عند اخلال المتعاقد في نظام المنافسات والمشتريات السابق، كان يتم معالجته عن طريق إنهاء العقد كاملاً أي السحب الكلي، سواء كان الاخلال في جزء من أجزاءه ام بالعقد كاملاً، وذلك يضر بمصلحة المتعاقد دون النظر الى وجه الخلل الحاصل في العقد ونوعه، لذا جاء التنفيذ الجزئي؛ الذي يظهر عند اخلال المتعاقد مع الجهة الحكومية، بجزء من أجزاء العقد القابلة للانفصال من حيث القيمة والكمية، وتقوم الجهة الحكومية بالتعاقد مع مقاول اخر لتنفيذ هذه الأجزاء، على حساب المتعاقد.
وجاء هذا التعديل تحقيقاً لمصلحة المتعاقد الذي يعد شريكاً مع الجهة الحكومية في تنفيذ المشروع المتفق عليه، بحيث تتماشى مع طبيعة تنفيذ هذه الاعمال، وحتى لا يتم الحاق ضرر بالمقاول، واقصاره على الجزء الذي قصر به، ونراه كثيرا في عقود الخدمات ذات التنفيذ المستمر وعقود التوريد، لما تتميز به كون العقد يتضمن عدة بنود وأجزاء كثيرة يمكن فصلها، لكن هذا لا يعني عدم وجوده في عقود اخرى كعقود الانشاءات العامة، متى كان السحب الجزئي قابل للانفصال قيمة وكمية.
نظمت اللائحة التنفيذية الطريقة الخاصة بالعقود المستمرة، حيث نصت المادة 129 على:
1. في العقود ذات التنفيذ المستمر، تكون الجهة الحكومية لجنة فنية لمعاينة الاعمال واستلامها قبل انتهاء مدة العقد ب (ثلاثين) يوم، ويتم استلام تلك الاعمال بموجب محضر يوقع عليه المتعاقد او ممثله. ويلتزم المتعاقد باستكمال تنفيذ أي تقصير او نقص في الاعمال، فإذا لم يلتزم بذلك، تنفذ تلك الاعمال على حسابه بما لا يتجاوز الأسعار السائدة أو بحسم قيمتها من مستخلصات المتعاقد. وذلك بعد انذاره بالطريقة التر تراها الجهة المناسبة.
2. يتم استلام الاعمال بشكل نهائي بعد انتهاء مدة العقد وفقاً للآلية والإجراءات المشار اليها في الفقرة (1) من هذه المادة
مما دلت عليه نجد انها سهلت الإجراءات بشكل كبير لتتفادى التعطيل في تنفيذ الاعمال حيث انها لم تفصل في تحديد طريقة الإنذار او نوعه ومرات تكراره، ولا طريقة اختيار المتعاقد الجديد كإجراء المنافسة او دعوة أصحاب العروض وغيرها من طرق الاختيار، بل أتاح النظام لجهة الإدارة سلطة تقديرية واسعه في ذلك بما تراه مناسبا، كونها صاحبة المعرفة في حاجتها ولتكون التعاملات سريعة ومنظمة داخلياً، ما تم النص عليه وذكره في اللائحة هو طريقة تحديد قيمة الأسعار.
وقد قرر المنظم السعودي فكرة السحب الجزئي خروجاً على المبدأ الأصل السحب الكامل والتنفيذ الكامل على حساب المتعاقد، لما أحدث من ضرر على المقاولين في السوق، وكون السحب الجزئي يشكل من مرونة في التعاملات بين المتعاقد وجهة الإدارة، ولتشجيع التعاقد مع جهة الإدارة واستمراره، وما فيه من اطمئنان أصحاب الاعمال بعدم تعريض عقودهم الى الإلغاء، وهذا ما يحقق ويتوافق مع رؤية المملكة في تشجيع وتنمية الاعمال.
المراجع: العقود الإدارية في ضوء نظام المنافسات والمشتريات الحكومية – (الطماوي،1986م)