الشعر ديوان العرب، وله أهمية كبرى عند العرب منذ الأزل، فهو يضع أمامنا أحاديث أسلافنا من الشعراء العرب ويصوّر لنا مشاعرهم وأحاسيسهم وينقل لنا أفكارهم وآراءهم وحكمتهم وخبرتهم، وكأنهم يقولونها لنا الآن، ويُعبِّرون بها أمامنا.
والشعر لا يُمتعنا فقط، ولا يُطرب ذائقتنا فحسب، وإنما يُظهر لنا صور الحياة بتفاصيلها المتنوعة في العصور المختلفة وكيف كانوا يعيشون، وكيف يُفكرون ويتألمون ويسعدون ويطربون ويُعبِّرون. ويُظهر لنا أجمل وأروع صور البيان والبلاغة العربية، والفصاحة اللغوية عند العرب، ولذلك قيل: الشعر ديوان العرب، ففي ثناياه تظهر أبعادٌ وثائقية متنوعة، من تاريخهم وأيامهم وانتصاراتهم، وبلدانهم وأسماء أشخاصهم وأعلامهم، وعاداتهم ومكارمهم وجغرافية بلادهم وغيرها. فالشعر يحوي كثيرًا من عادات العرب النبيلة ومكارم الأخلاق العربية، ومواقف الشهامة والكرامة والمروءة، يقول أبو تمام الطائي:
وَلَوْلَا خِلَالٌ سَنَّهَا الشِّعْرُ مَا دَرَى بُغَاةُ العُلا مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى المَكَارِمُ
والشعر من أهم المكونات الحضارية للثقافة العربية، فقد تغلغل الشعر في ثقافتنا العربية تغلغلًا عميقًا منذ القدم، وحتى وقتنا الحاضر لا يزال الشعر العربي يتصدر المحافل الأدبية والاجتماعية ويحضر فيها بكامل روعته وفخامته وسموِّه.
وتأتي تسمية عام 2023م بعام الشعر العربي احتفاءً بهذا المكوِّن الثقافي والحضاري، وتعزيزًا لحضوره الفريد في الحضارة الإنسانية عمومًا والثقافة الأدبية على مستوى العالم العربي خصوصًا، وتأكيدًا من المملكة العربية السعودية على اهتمامها الكبير بجانب الثقافة بشكل عام وجانب الأدب والإبداع الأدبي بشكل أخص.
إن للجزيرة العربية من العصور القديمة مكانة مهمة ودور مهم وبارز في نشوء الشعر العربي، منذ بداياته الأولى عندما تولَّد الشعر أول مرة كما يقال أثناء العمل الجماعي سواء في رحلة صيد أو ارتحال عبر صحرائها، فتولَّد مع هذه الأعمال الجماعية لأفراد القبيلة العربية – وفي لحظات انفعالية معينة – محاولات إيقاعية تنتظم بها الكلمات بطريقة من الطرق، وكأن هذه الإيقاعات تساعدهم على العمل، وتُجدِّد النشاط، وتبعث في النفس الحماس، وتُعمِّق الانتماء لديهم بقبيلتهم، وتدعوهم للفخر والسعادة أثناء العمل، ومن ثم بدأ الشعر العربي يتشكَّل وينتشر في جميع القبائل العربية في كافة أنحاء الجزيرة العربية وفي صحرائها سنة بعد سنة، وجيلًا بعد جيل، حتى بات الشعر العربي واضح الأُطر والقواعد وفي أتمِّ حالات التبلور، وأصبح للقصيدة العربية وزنها وقافيتها ومعانيها وأغراضها، فنشأ الشعر واستقرَّ ونضج ونهض في الجزيرة العربية دون سواها من الأقاليم الأخرى، ولذلك تأتي تسمية عام 2023م بعام الشعر العربي في المملكة العربية السعودية ومن أعلى الهرم فيها ممثلًا بمجلس الوزراء عودًا على بدء، واستدعاءً لهذا الإرث الحضاري والثقافي المتجذِّر في أرضها منذ القدم، والنامي في أحضانها منذ بدايته، حتى أصبح كما هو عليه الآن من إبداع لا متناهٍ وجمالٍ فخمٍ عريق، وليصبح عام 2023م عامًا للشعر في مهد الشعر.
د. ساير الشمري.
دكتوراه في الأدب والنقد
التعليقات 1
1 pings
زائر
21/06/2023 في 8:31 ص[3] رابط التعليق
ونعم بالدكتور ساير فوق شاعريته اخلاقه العاليه والقلب النظيف