
بدأت اليوم الخميس، غرة شهر محرم 1447هـ، الموافق 26 يونيو 2025م، مراسم استبدال كسوة الكعبة المشرفة بكسوة جديدة، وذلك ضمن الاستعدادات الخاصة لهذا الحدث، وسط متابعة دقيقة من الجهات المختصة.
وشهدت المراسم في بدايتها فك المذهّبات والصمديات والقناديل والحُلي المثبتة على الكسوة، إلى جانب إنزال ستارة باب الكعبة، تمهيدًا لإنزال الكسوة القديمة وبدء عملية تثبيت الجديدة، التي تم تصنيعها بعناية فائقة في مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة.
وتُقام مراسم استبدال الكسوة سنويًا في الأول من محرم، حيث يتم تركيب كسوة جديدة مصنوعة من الحرير الأسود الخالص، والمطرز بآيات قرآنية من خيوط الفضة المطلية بالذهب، في عمل يجمع بين الدقة والحرفية وروحانية المناسبة.
ويُعد هذا التقليد من أبرز مظاهر عناية حكومة المملكة العربية السعودية بالكعبة المشرفة، ويعود لأكثر من 100 عام، تشرف عليه هيئة متخصصة، وتُنفذ جميع مراحله وفق أعلى المعايير العالمية في صناعة النسيج والنقل والتثبيت، تأكيدًا على اهتمام المملكة بالحرمين الشريفين ورموزهما المقدسة.
كسوة الكعبة :
كسوة الكعبة المشرفة تمثل رمزًا دينيًا ومكانة روحية عظيمة في قلوب المسلمين حول العالم. ومنذ فجر الإسلام، كانت ولا تزال محل عناية واهتمام بالغين من حكام المسلمين، ويأتي في مقدمتهم ملوك المملكة العربية السعودية، الذين جعلوا من صناعة كسوة الكعبة مظهرًا من مظاهر الخدمة الجليلة للحرمين الشريفين.
وليست كسوة الكعبة المشرفة مجرد غطاء، بل رمز إسلامي مقدس ومشروع حضاري سعودي بامتياز. وتحرص المملكة العربية السعودية على أن تبقى هذه الكسوة شامخة بعزّ الدين ومجد القيادة، ومن خلال مصنعها الحديث، ومواطنيها المتفانين، تقدم المملكة نموذجًا يُحتذى به في خدمة قبلة المسلمين، بكل شرف وإتقان.
وكانت كسوة الكعبة تُصنع في مصر ( في دار الكسوة بحي الخرنفش بالقاهرة(، وكانت تُرسل سنويًا إلى مكة في موكب مهيب يُعرف بـ “المحمل المصري”، واستمر ذلك حتى أواخر عهد الملك عبدالعزيز، حيث نُقلت مهمة الصناعة بالكامل إلى المملكة العربية السعودية.
تاريخ (ثوب) الكعبة
- تعود عادة كسوة الكعبة إلى ما قبل الإسلام، حيث كانت القبائل العربية تتولى كسوتها، وكان أول من كساها في الجاهلية هو تُبّع الحميري.
- في الإسلام، استمر هذا التقليد، حيث كان النبي محمد ﷺ يكسو الكعبة، وتوالى الخلفاء الراشدون ثم الأمويون والعباسيون على هذا الشرف.
- منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود – طيب الله ثراه – أصبحت المملكة العربية السعودية تتولى تصنيع الكسوة داخل أراضيها، بعد أن كانت تُرسل من مصر.
- أنشأت المملكة أول مصنع لكسوة الكعبة في مكة المكرمة عام 1397هـ (1977م).
اهتمام السعودية بكسوة الكعبة
تولي المملكة العربية السعودية كسوة الكعبة المشرفة اهتمامًا بالغًا، حيث تتبع إداريًا رئاسة شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وتُنفَّذ بتوجيه مباشر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
ويُخصَّص لها ميزانية سنوية ضخمة لضمان أعلى درجات الدقة والجودة، وتوفير المواد الخام والأيدي العاملة الماهرة.
وتُعد كسوة الكعبة أحد أبرز أوجه السيادة الرمزية للمملكة في خدمة الحرمين الشريفين، وتحرص الدولة على تطوير وتحسين خطوط الإنتاج عامًا بعد عام.
موقع المصنع :
كان أول مصنع سعودي لكسوة الكعبة قد أُنشئ في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود عام 1346هـ (1927م)، في حي أجياد بالقرب من الحرم المكي الشريف، وهو حي تاريخي قديم كان يقع جنوب شرق الكعبة المشرفة، قبل أن تتم إزالته لاحقًا ضمن مشاريع توسعة الحرم.
وكان المصنع آنذاك داخل مبنى بسيط ومتواضع بالنسبة للمعايير الحالية، لكنه كان يضم معدات النسيج اليدوي وبعض آلات التطريز التقليدية.
اثم انتقل المصنع لفترة إلى حي التيسير، وهو من الأحياء القريبة من الحرم
أما الموقع الحالي لمصنع كسوة الكعبة المشرفة، منذ عام 1397هـ (1977م)، أصبح يقع في حي أم الجود غرب مكة المكرمة، ويتبع إداريًا لـ الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ويدار فنيًا عبر مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة.
خط الإنتاج داخل المصنع :
يُقسم إلى عدة أقسام:
- قسم النسيج الآلي: يتم فيه نسج قماش الحرير الأسود الخام.
- قسم النسيج اليدوي: يُستخدم فيه نول تقليدي لصنع بعض القطع الخاصة.
- قسم الطباعة والتطريز: يتم فيه تطريز الآيات والزخارف باستخدام خيوط الذهب والفضة.
- قسم الخياطة والتركيب: يجمع أجزاء الكسوة (الأربعة جوانب) ويثبت الحزام والشريط الذهبي.
المواد المستخدمة في انتاج ثوب الكعبة
يُستخدم في صناعة الكسوة:
- 670 كيلوغرامًا من الحرير الطبيعي الخالص.
- 120 كيلوغرامًا من خيوط الفضة والذهب المطلي.
- خيوط مطلية بـ 21 قيراطًا من الذهب الخالص.
- تُخاط باستخدام أكثر من 25 ماكينة خياطة متطورة.
25 مليون ريال سنويا
تصل تكلفة صناعة الكسوة إلى أكثر من 25 مليون ريال سعودي سنويًا. تشمل التكلفة المواد الخام، والأجور، والصيانة، والخدمات اللوجستية. وتُعتبر هذه الكسوة الأغلى في العالم من حيث نوعية الخامات ودقة التصنيع.
دورة تغيير ثوب وعدد مرات الإنتاج
تُستبدل كسوة الكعبة المشرفة مرة واحدة سنويًا، في يوم التاسع من ذي الحجة من كل عام هجري، خلال وقوف الحجيج بعرفة. ويتم إنتاج كسوة واحدة رئيسية سنويًا، مع توفير كسوة احتياطية جزئية لأغراض الطوارئ أو الترميم.
مصير الثوب القديمة
بعد إزالة الكسوة القديمة، تُقطّع إلى قطع صغيرة، وتُهدى إلى كبار الشخصيات والمنظمات الإسلامية ورؤساء الدول كرمز شرفي. كما تُحفظ بعض الأجزاء في المتاحف، خاصة في معرض عمارة الحرمين الشريفين في مكة.