هل فكرت يومًا أو تخيلت ما سيكون عليه الحال إذا حصلت على وظيفة أحلامك، وحققت طموحاتك؟ هل عشت في ظل هذا الخيال وشعرت بالسعادة الغامرة؟ لكن قد تكون الحقيقة مغايرة تمامًا لما كنت تتصور. قد تجد نفسك في مكان بعيد عن تطلعاتك، بعيد عن الرفاهية والراحة التي تخيلتها، إلا أن هذا التحدي قد يكون هو ما يخبئ لك النجاح الحقيقي.
وهذا ما حدث مع بطلة قصتنا، *"ليان نور*"، التي تحكي لنا تجربتها:
"كنت شابة طموحة وشديدة في مواجهة الصعاب، ومنها ما واجهته أثناء عملي في إحدى الجمعيات الخيرية. تم قبولي للعمل كإدارية، وكانت هذه فرصة تحقق أحلامي وطموحاتي، لكن الحقيقة كانت مغايرة تمامًا. لم يكن الأمر مقتصرًا على بُعد مكتبي عن الإدارة فقط، بل كان المكتب نفسه شبيهًا بالمستودع: مظلمًا وضيقًا، في مكان منعزل بعيد عن الحركة والنشاط. كنت أعمل لساعات دون أن أشعر بحركة من حولي، وكان المكان يفتقر للحياة.
ومن المواقف الصعبة التي مررت بها، ذات يوم كنت منهمكة في العمل ولم ألتفت للوقت، وعندما غادر الجميع، بقيت وحدي في المكتب. شعرت بالخوف الشديد وبكيت. في تلك اللحظة، اتصلت بصديقتي المقربة وأخبرتها بتفاصيل ما حدث معي، وكان ردها مفاجئًا: باركت لي العمل الجديد وضحكت وقالت: 'لم أعهدك جبانة! كوني كما عهدتك قوية، وقبلي بالأمر، وحافظي على وظيفتك. وإن كان المكان لا يليق بك، فإن وجودك هو النور الذي يضيء تلك العتمة، والدفء الذي يحيي المكان ويجلب الخير.'
وكأنني في حلم أو غفوة، نبهتني إلى شيء مهم وهو رسالتي التي أحملها: عمل الخير. وبالفعل، كنت مجتهدة في عملي حتى لقيت استحسانًا كبيرًا من المشرفين والمسؤولين. أصبح مكتبي عامرًا بالحياة رغم بساطته، وأصبح مقصدًا للموظفات للاستشارة والحديث معي.
وبدأت أتذكر كلام صديقتي وأقول في نفسي: كانت محقة في قولها. حيث إن زميلاتي اعتدن على زيارة مكتبي يوميًا للحديث معي، وكنت أساعدهن في حل بعض مشاكلهن أو ما يواجهنه من صعوبات. حتى إن إحداهن قالت: 'لن أنسى يومًا ما قدمتيه من أجلي.' وأخرى قالت: 'أنت لا يمكن تعويضك.' كانت تلك الكلمات تخفف من البعد والوحدة التي كنت أستشعرها في ذلك الظل. حتى إنني كنت أحدث نفسي: 'لماذا؟! يشهد لي الجميع بالتميز، في حين أبقى في هذا المكان البعيد؟'
ما كان أمامي سوى الصبر، حتى جاءت أزمة كورونا، وشاءت قدرة الله أن أظهر للوجود، فتصدر اسمي ومكتبي المشهد في الإدارة، وأصبحت الإدارية الوحيدة التي أنقذت الجمعية الخيرية من القلق، بفضل الله ثم جهودي ومثابرتي ومعرفتي بالتقنيات الحديثة للعمل عن بُعد، وفن إدارة المنصات. فالظل يخفي النور، لكنه لا يطفئه."