لأكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد، تجتمع نخبة من قادة الكشافة في مكة المكرمة خلال شهر رمضان المبارك حول سُفرة إفطار الصائم، في تقليد سنوي يجسد روح التكافل والتآخي، ويعيد إلى الأذهان ذكريات الأوائل الذين أرسوا هذه العادة المباركة.
لم يكن هذا اللقاء مجرد إفطار جماعي، بل هو إرث تربوي واجتماعي أسَّسه القائد والمربي الراحل يوسف بكر فلاته، أحد رواد الحركة الكشفية في مكة، الذي غرس في نفوس زملائه وأبنائه الكشفيين قيمة العطاء والبذل. منذ انطلاق هذه المبادرة، كان هدفها لمّ شمل القادة وتوثيق أواصر المحبة بينهم، مع استحضار جهود من سبقوهم في خدمة الكشافة والعمل التطوعي.
على مدار العقود الماضية، تحولت هذه السُفرة إلى ملتقى سنوي يضم القادة الكشفيين في مكة، يتبادلون فيه الذكريات، ويستحضرون زملاءهم الأوائل الذين أسسوا هذه العادة الطيبة. يظل الحديث في هذا اللقاء نابضًا بروح الوفاء، حيث يسترجع القادة محطات مشرقة من تاريخهم، ويتحدثون عن الجهود التطوعية التي أسهمت في خدمة ضيوف الرحمن وخدمة المجتمع.
لم يكن هذا التجمع مقتصرًا على الإفطار فحسب، بل أصبح مساحة لتكريم الشخصيات الكشفية الرائدة، وتعزيز روح الاستمرارية بين الأجيال، حيث يتوافد القادة الشباب للمشاركة، حاملين مشعل العطاء من الرعيل الأول. كما يتم خلال اللقاء استعراض المبادرات الكشفية الرمضانية، والتخطيط لمواصلة خدمة المجتمع ببرامج نوعية تتماشى مع القيم الكشفية.
مع كل رمضان، تظل هذه السُفرة شاهدًا حيًا على قيمة التواصل والتراحم، حيث يجتمع القادة على مائدة واحدة، يتسامرون بذكرياتهم، ويستذكرون أولئك الذين رحلوا، داعين الله لهم بالرحمة والمغفرة. ويبقى يوسف بكر فلاته والراحلون جميعًا حاضرون في القلوب، رمزًا للبذل والعطاء، ومصدر إلهام للأجيال القادمة لمواصلة مسيرة الخير والكشاف.
إن سُفرة إفطار الصائم التي يقيمها قادة مكة ليست مجرد عادة رمضانية، بل هي مدرسة في الوفاء، تذكّر الجميع بأن العطاء لا يرتبط بزمن، وأن القيم النبيلة التي غرسها الرواد ستظل نورًا يهتدي به القادة والكشفيون في مسيرتهم نحو خدمة المجتمع.